أبو عاقلة أماسايكتب: اطفئوا نيران الفتنة في كردفان
* دعوة للمُتعلِّمين والمُثقّفين لرفع أصواتهم لمُجابهة الدعوات للاصطفاف القبلي بنشر الحس القومي
* أؤمن بوطن واحد بحدوده القديمة، جنوبه حتى نمولي، وشرقه حتى حلايب وشلاتين، وغربه حتى مثلث العوينات وتخوم الطينة، شعب واحد وثقافات مُتنوِّعة تعكس ثراءه وحضارته الضاربة في أعماق التاريخ البشري ولا أساوم في ذلك، ولكن.. في بعض الأحيان تستفزّني بعض المُمارسات التي تعكس القبح الثقافي في المُجتمع السوداني، لذلك غضبت وأنا استمع لإحدى تسجيلات (حامد الجبوري)، وقد كنت أحد عُشّاق تسجيلاته، وأحب فيها لهجة أهلنا المسيرية ببساطتها وبلاغة التعبيرات في مُحتواها.. وكنت أعتقد أنّه من قادة الإعلام الشعبي المعنيين بنشر الوعي للحد من العنف والتعصُّب القبلي، لأنّها من مُتلازمات الجهل والتخلُّف في المُجتمع السُّوداني، وكنت أتعشّم أن تكون تسجيلاته في هذه الحقبة مُوجّهة لنزع فتيل الحشد العدواني بين أهلنا في دار حَمَر والمسيرية، وما يحدث من مُناوشات بين المسيرية وأهلنا النوبة في غرب كردفان، ولكنه جاء مشحوناً بالألفاظ العُنصرية وكأنّه لم يكن من ذلك الشخص الذي أحببناه لبساطته، فهو مُقيمٌ في دولة قطر، وهناك يكون قد تعامل مع كل الجنسيات والسحنات وعرف معنى أن تتقبّل الآخر مهما كانت درجة التباين.
* في هذا الظرف القاسي الذي يمر به السُّودان، مع ضعف حكوماته وانحسار الحس القومي والوحدوي والديني، وتصاعُد الثقافات الإثنية والقبلية، نكون أحوج الشعوب للمذاكرة في تاريخنا الحقيقي ومحاولة الوصول لحقائق في غاية الأهمية.. منها: أنّ الشعب السوداني في الأصل شعبٌ واحدٌ، وأن ما يجمع بينه من صفات وسحنات أكثر مما يُفرِّقه، وأنه أقدم وأعرق شعوب الأرض، وأنّ الحديث عن العنصر والقبيلة وأفضلية هذه على ذاك، غير أنه مُخالفة لتعاليم الدين الإسلامي، هو دليل تخلُّف وانحراف في الفكر الإنساني والحضاري، وأن القبيلة يجب أن تُستخدم في قضايا التنمية والتطوير وليس للتمييز وادّعاء الأفضلية.
* أمّا دعاة الحرب فيجب أن يعلموا تماماً أنّها ليست رحلة صيد، بل هي شرٌ مَاحِقٌ، إن حلّ بديار قوم آمنين أشاع الموت وانتهك الحرمات والمُقدّسات وهتك الأعراض، وأجبر الناس على النزوح عن مواطنهم والتحوُّل من إنسانٍ منتجٍ في مزارعه ومراعيه إلى مُواطن يعاني على هوامش المُدن.. والنزوح إلى هوامش المُدن يعني الخسران المُبين.. خسران للشرف والعرض والأبناء وتفكُّك للأُسر عندما تُجبر على تفاصيل حياة لم تألفها.. وشظف في العيش بعد أن كانوا في حياة رغدة مُنعّمة.. والنزوح يعني كذلك موت الإحساس بالوطن، فهو الإحساس الذي يتولّد من عُمق الانتماء للوطن الكبير..!!
* مع ارتفاع الأصوات الداعية للاصطفاف القبلي وتقرع نواقيس الحرب، نعول على المُتعلِّمين والمُثقّفين لأن يرفعوا أصواتهم الداعية لتدعيم الحس القومي السُّوداني ونبذ العصبيّة والقبليّة والحرب.. فنحن في عصر تتسابق فيه الأمم نحو الوصول إلى قمة التطوُّر في التكنولوجيا والصناعة والاكتشافات العلمية، ومن العار أن تندلع الحرب بين قبيلتين ويموت فيها المئات من أجل ناقة أو عنزة أو حمار.. فقد ولّى عصر البسوس وعبس وذبيان..!!
* ليمضي الجبوري وغيره في طريقهم الجديد، ولكنني انتهز الفرصة لأدعو أهلنا في ديار حَمَر، وهم أهل حكمة وكرم، وأهلنا فرسان المسيرية، لأن يخافوا الله في أنفسهم وأهليهم.. فالأرض أرض الله يستخلف فيها مَن يشاء.. وسوف تردون إلى عالم الغيب والشهادة وتُحاسبون على ما فعلتم.. ومن قَتَلَ نفساً منكم سيجد الحساب والعقاب يوم الجمع الأكبر، ومن مشى بين الناس بالفتنة كان له ثمار ما زرع.. ومن حِكَم (البقارة) أنّ: (البوقد ناراً.. بتدفابا).. أي أنّ مَن يشعل نار الحرب يحترق بها..!!
صحيفة الصيحة