عبد الله مسار يكتب : معرفة باللغة مع سُرعة البديهة
دخلت امرأة على هارون الرشيد أمير المؤمنين، وعنده جماعة من وجوه القوم وأصحابه، فقالت (يا أمير المؤمنين أقر الله عينيك وفرحك بما أتاك وأتم سعدك
لقد حكمت فقسطت).
فقال لها الأمير من تكونين أيتها المرأة؟
فقالت من آل برمك ممن قتلت رجالهم وأخذت أموالهم وسلبت نوالهم.
فقال أما الرجال فقد مضى أمر الله فيهم، وأما المال فمردود إليك.
ثم التفت إلى أصحابه فقال بعد ذهاب المرأة أتدرون ما قالت المرأة؟ فقالوا ما نراها.
قالت إلا خيراً.
قال ما أظنكم فهمتم ذلك.
أما قولها (أقر الله عينيك) أي أسكتها عن الحركة، وإذا سكت العين عن الحركة عميت.
أما قولها (وفرحك بما أتاك) فأخذته من قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً).
وأما قولها (وأتم سعدك) فأخذته من قول الشاعر
إذا تم شيء بدا نقصه
ترقب زوالا إذا قيل تم
أما قولها (لقد حكمت فقسطت) فأخذته من قوله تعالى: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً).
فتعجب أصحابه من سرعة بديهته، إنها معرفة باللغة.
وكان أمير المؤمنين هارون الرشيد من أعرف العرب بلغتهم، بل كان مجلسه فيه دهاقنة اللغة كالأصمعي، وكان يغدق المال على الشعراء والأدباء والعلماء.
من الفصاحة وسُرعة البديهة
وقف معاوية بن مروان على باب طحان (أي رجل يعمل الطحين بالرحى) فرأي حماراً يدور بالرحى وفي عنقه جلجل.
فقال الطحان لِمَ جعلت الجلجل في عنق الحمار؟
فقال الطحان ربما أدركتني سامة أو نعاس، فاذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنّ الحمار واقف فأحثه ليستأنف المسير.
فقال معاوية ومن أدراك فربما وقف وحرّك رأسه بالجلجل وهكذا حرّك معاوية رأسه.
فقال الطحان ومن أين لي بحمار يكون عقله مثل عقل الأمير.. إنّها سُرعة بديهة.
صحيفة الصيحة