مقالات متنوعة

فريق أول ركن حسن يحيى: الجيش والسياسة!!


الأصل في الحكم في كل دول العالم كان عسكرياً حيث مارس قادة الجيوش السلطة في إدارة شؤون بلادهم ليس هنالك نظام حكم معين يعتبر قياسياً متفق عليه وليس هنالك شكل دولة متفق عليه ايضاً فكل دولة تنتهج نظام الحكم وشكل الدولة الذي تراه مناسباً لها يحقق لها الأمن والاستقرار السياسي والتنمية المستدامة والنهضة الشاملة. هنالك دول عظمى تنتهج الديمقراطية وهنالك دول عظمى تنتهج الشمولية. التجارب العملية في السودان برهنت على نجاح الحكم الشمولي في السودان وضعف وفشل الحكم المدني والدليل على ذلك أن السودان يسير اليوم بالإنجازات التي حققها العسكريون أما المدنيون فقد نجحوا في تخريب ودمار ما بناه العسكريون وفشلوا في حماية سلطتهم قحت فرزت معيشتها منذ اليوم الأول بعد توقيعها على وثيقيتها الدستورية المعيبة والمزورة التي نصت على أن ما يلي المدنيين للمدنيين وما يلي العسكريين للعسكريين وليس بمثل هذا المستوى تبنى الدول لأن عملية البناء تتم بمشاركة كل أبناء السودان عسكريين ومدنيين. تلك كانت هي البداية لفشل الشراكة التعيسة بين المكون العسكري والمدني. قحت أول من خرق الوثيقة الدستورية قبل أن يجف مدادها بتدخلها السافر في ما يلي العسكريين عن طريق دعاوى إعادة هيكلة الجيش وتصفية مؤسساته الإقتصادية التي تتهمها بتخريب الإقتصاد. هيكلة الجيش مشروع خارجي أول من طالب به فولكر لأن الجيش وقف سداً منيعاً أمام المخطط الدولي الداينميكي الساعي بقوة لتقسيم السودان. إعادة هيكلة الجيش عملية فنية مهنية بحتة تتم كل خمسة سنوات بقرار عسكري وليس بقرار سياسي وتتم إعادة الهيكلة وفقاً لما تفرزه التجارب العملية من سلبيات في مجال العمليات العسكرية الداخلية والخارجية والمناورات العسكرية الداخلية والخارجية بالإضافة لما تفرزه الترسانة العسكرية العالمية من تكنلوجيا وتقنية متطورة. الجيوش تبنى بالسياسة وليس بالميزانيات السنوية المعجزة وقحت تضم أحزاباً معلبة جفت مصادر دعمها في بيئتها الأصلية ولا يمكن لها أن تنجح في بيئة غير ملائمة لها. الدول التي تعتبر القوة العسكرية آلية من آليات تنفيذ سياستها الخارجية تجعل مهمة تسليح الجيش من مسؤولية وزارة الخارجية ويتم ذلك في سرية تامة بالتعاون التام والتنسيق المحكم مع وزارة الدفاع. تلك كانت هي بداية خلافات المدنيين مع العسكريين أما خلافات المدنيين مع بعضهم فقد كشفها المهندس خالد عمر الذي صرح علانية بأن خلافات المدنيين ظهرت بعد توقيعهم على الوثيقة الدستورية مباشرةً حول تقسيم كراسي السلطة وهذا مؤشر قوي على أن منطلقات المدنيين ليست منطلقات وطنية لصالح الشعب وإنما هي منطلقات تسعى لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية ومكاسب لقوى خارجية. قحت هي التي ذهبت للعسكريين في مقر إقامتهم وطلبت منهم أن يقوموا لها بعمل سياسي يقودها للسلطة بعد فشل تظاهراتها. تظاهرات أصحاب السترات الصفراء في فرنسا لم تسقط ماكرون بل تم التجديد له لدورة جديدة. قحت والإسلاميين استلموا السلطة عن طريق العسكريين وحاولوا إقصائهم من المشهد السياسي ولكن العسكريين كانوا أذكى منهم جميعاً حيث أفشلوا مخططهم هذا. قحت أحدثت شرخاً عميقاً في العلاقات بين المدنيين والعسكريين لا يمكن له أن يندمل إلا بخروج قحت من المشهد السياسي تماماً. الأحزاب السياسية بكامل قواها العقلية وإرادتها السياسية هي التي أدخلت العسكريين في السياسة وبعد أن تعلموا منهم كيفية إدارة شؤون الدولة حاولوا إقصائهم من السلطة. العسكرييون تدربوا على كيفية إدارة شؤون الدولة في أكاديميتهم العسكرية العليا على كيفية قيادة الرجال وإدارة الموارد عن طريق الإدارة العلمية الحديثة فأصبحوا أكثر قدرة من المدنيين على كيفية إدارة شؤون الدولة. قال المفكر الاستراتيجي كلاوفتز: (إن القوة العسكرية والقوة السياسية وجهان لعملة واحدة حيث أن كلاهما يتطلع إلى ما وراء الحدود وكلاهما يبحث ويهتم بقدرات الآخرين) وهذا يعني أنهما مرتبطتان ببعضهما البعض حيث يمكن أن تلعب القوة السياسية أدواراً لصالح القوة العسكرية كما يمكن أن تعلب القوة العسكرية أدواراً لصالح القوة السياسية. تقاس كفاءة القوة العسكرية بما تقدمه للقوة السياسية من مساعدات تجعل القرار السياسي للدولة نافذاً. بتكامل دور القوة السياسية والعسكرية يتحقق الأمن القومي السوداني وكل هذا يؤكد أن طبيعة العمل العسكري ذات صبغة سياسية في المقام الأول حيث أن للجيش أدوار داخلية وخارجية تتمثل الأدوار الداخلية في حماية الدستور وحماية الشرعية الدستورية وحماية الأمن القومي وحفظ الأمن والاستقرار السياسي بالبلاد. أما الأدوار الخارجية فأنها تتمثل في المشاركة في عمليات حفظ الأمن والسلم الإقليمي والدولي والمشاركة في تنفيذ إتفاقية التدفاع المشترك للدول العربية وحماية الشرعية الدولية عن طريق التحالفات العسكرية ومن هذا المفهوم تمت مشاركة الجيش في قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية. الأدوار الداخلية والخارجية للجيش منصوص عليها في الدستور والقانون العسكري والإخوة المدنيين الذين حضروا دورات الدفاع المدني بالأكاديمية العسكرية العليا يدركون جيداً هذه الأدوار التي تجهلها قحت التي لا تعرف أين هو مقر الأكاديمية العسكرية العليا بالرغم من أنها أكبر للدراسات الاستراتيجية بالبلاد. الجدير بالذكر أن من أهم شروط الدراسة بالأكاديمية العسكرية للمدنيين والعسكريين أن يكون المرشح لحضور الدورة موصى عليه بتولي المناصب القيادية العليا بالدولة. أمريكا والدول الغربية لا تولي المناصب القيادية العليا للدولة إلا للذين حضروا دورة الدفاع الوطني من المدنيين والعسكريين. هنالك ثلاثة جنرالات مشهورين في العالم حكموا بلادهم بصفتهم الإنتخابية وليس بصفتهم العسكرية وليس بصفة (مدنية وعسكرية) كما ترى قحت. الدكتاتورية ليست حكراً على العسكريين فقط حيث أن هنالك مدنيين أكثر دكتاتورية من العسكريين كما أن هنالك عسكريين أكثر ديمقراطية من المدنيين. الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله كان مدنياً دكتاتورياً وكذلك الرئيس بشار الأسد. علينا الاستفادة من الدروس المستفادة من تجاربنا السابقة في أكتوبر ٦٤ وأبريل ٨٥ حيث كانت تلك تجارب ناجحة للفترة الإنتقالية من الناحية التنفيذية أما الناحية التشريعية فهي في الأصل يجب أن تكون منتخبة لأن المجلس التشريعي المعين لا يحقق الديمقراطية ولا يمكن له أن يكون رقيباً حقيقياً على آداء السلطة التنفيذية. الإعلان الدستوري الذي جاءت به لجنة تسيير نقابة المحاميين صناعة أجنبية وهو في حقيقته يمثل مبادرة قحت لعودتها مرةً أخرى للسلطة وترحيب المندوب الأمريكي الجنرال جون بهذا الإعلان الدستوري يؤكد أن حل الأزمة قد أصبح خارجياً والمطلوب من البرهان أن يقلب الطاولة على الجميع بأن يكون الحل سودانياً. دعوة البرهان للمجتمع الدولي للضغط على القوى السياسية للوصول لإتفاق سياسي إذا ربطنا هذه الدعوة بطلب المجتمع الدولي للبرهان بوقف تنفيذ إجراءات ٢٥ أكتوبر فأن ذلك يعني أن القوى الخارجية هي التي تعرقل الإتفاق السياسي وتتحكم فيه، تصريحات البرهان الأخيرة بأنه لا يمكن أن ينتظر إلى الأبد حتى يتحقق هذا الوفاق فيها رسالة قوية للمجتمع الدولي على أن البرهان قد عقد العزم على تنفيذ إجراءات ٢٥ أكتوبر وأن تصريحات المندوب الأمريكي الجنرال جون ستعجل بذلك. خلاصة القول: الجيش صمام الأمان للسودان وهو الضامن الوحيد لنجاح الفترة الإنتقالية. مشاركة العسكريين في السلطة في كل دول العالم الثالث تعتبر أكثر من ضرورة من أجل حفظ الأمن والاستقرار السياسي بالبلاد وخير شاهد على ذلك مشاركة العسكريين في السلطة بفعالية في كل دول الجوار التي تقع في نطاق الأمن المباشر للسودان. أما مشاركة العسكريين في السلطة في أمريكا في الوقت الحاضر يمثلها المندوب الأمريكي الجنرال جون. ختاماً: الجيش مسؤول الآن عن إدارة شؤون الدولة وعليه أن ينهض بمسؤوليته التاريخية والوطنية والتاريخ لا يرحم. وبالله التوفيق.
فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد.

صحيفة الانتباهة