بخاري بشير يكتب: يوميات سفير أمريكي!!
عندما أعلنت الادارة الأمريكية عن تسمية سفيرها بالسودان؛ انطلقت البشارات بأن واشنطن قد بدأت (تعديل) سياساتها تجاه الخرطوم؛ والسبب في ذلك أن الادارات الأمريكية المتعاقبة كانت لها سياسة (واحدة)؛ وهي التصعيد والحصار الدبلوماسي والعقوبات ضد الخرطوم.. واستمرت هذه السياسة ضد السودان لما يربو على (25) عاماً.. هي عمر خروج آخر سفير أمريكي من السودان.. وقد رصدت له الصحافة المحلية تصريحات قبل خروجه؛ قال فيها إن الخرطوم من أكثر العواصم (أمناً) في العالم؛ لكنه ينفذ سياسات دولته ولا يحيد عنها.
حمدوك؛ فتح الباب أمام التدخلات الخارجية؛ ومنح الأمم المتحدة صكاً مفتوحاً لاحتلال السودان؛ وهو ما تعمل عليه بعثة (فولكر) هذه الأيام.. وحمدوك أيامئذ تباهى بأنه أعاد السودان الى احضان المجتمع الدولي؛ وأنه أنهى (العزلة الطويلة) المضروبة عليه؛ وانه نجح في اخراج السودان من قائمة الارهاب؛ وأنه سعى لاستجلاب دعم خارجي؛ وينتوي اعفاء ديون السودان؛ وقبل أن ينتهي حمدوك من القاء هذه الوعود الجميلة؛ قام بسداد 335 مليون دولار لمواطنين أميركان؛ هم ذوو ضحايا السفارتين والمدمرة كول.. وتم ذلك بتهاون وبسرعة فائقة أدهشت القضاء الأمريكي؛ الذي حدد أن تعويض الضحايا من أموال (الغرامات).
عاد السفير الأمريكي للخرطوم؛ بعد (25) عاماً.. ليمارس عمله كسفير؛ وقد عاب عليه كثير من الخبراء والمحللين تدخله السافر في الشأن السوداني؛ خاصة بعد الافادات التي ألقاها على صحيفة التيار؛ والتي وجدت رد فعل من السفير الروسي في الخرطوم؛ خاصة الجزئية التي تحدث فيها غودفري عن (امكانية قيام قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر).. وأضحت الخرطوم (أرضاً) لمعركة دبلوماسية بين السفيرين.
الهجوم الكثيف الذي تعرض له السفير الأمريكي وهو يتدخل في شأننا السياسي والمجتمعي؛ وانتقاد تحركاته الواسعة؛ ولقاءاته العديدة مع مختلف أطياف المجتمع؛ كلها اعتبرها الناقدون سلوكاً دبلوماسياً مرفوضاً.. لكنني لا أؤيد فكرة (الانتقاد) للسيد غودفري.. ببساطة لأن هذا هو ما وجدنا عليه.. لم يأت غودفري بجديد وهو يتعامل مع الشأن السوداني؛ وجد (غودفري) أن السودان دولة (مستباحة) من قبل السفراء.. وهي العاصمة الوحيدة التي يستطيع فيها سفير أي دولة أن يلتقي بمن يشاء وقتما يشاء وقول ما يشاء؛ ثم لا يجد أي (استدعاء) من وزارة الخارجية.. ولا يشتم مجرد رائحة لطرده أو تسجيل مخالفة (غير مرغوب فيه) ضده.
وجد غودفري أن السودان يمكن لرئيس البعثة الأممية الموجود فيه أن يصرح بما يشاء ويطرح ما يشاء ويتجاوز مهمته الرئيسية بأنه مجرد (مسهل).. وجده بامكانه أن يلتقي النقابات واحدة تلو الأخرى ويجلس في ورشها لصياغة وثيقة دستورية تعتبر شأناً داخلياً خالصاً.. وجد غودفري أن أي سفير لأي دولة يستطيع أن يلتقي كل أطياف المعارضة؛ ويحرضها على السلطة الحاكمة ؛ ووجد أن من حقه مناصرة من شاء ومساندة من يشاء؛ حتى اذا كان ذلك بدفع (الدولار الأخضر).
بعد كل هذا الذي وجده غودفري في الخرطوم.. أليس من حقه أن يفعل ما يريد؟.. خاصة وأنه على يقين أن لا أحد سوف يستدعيه أو يسأله لم فعلت ولم تركت؟.
صحيفة الصيحة