محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: تفتيت السودان بـ(السلام)


(1)

 مما لا شك فيه ان (السلام) قيمة انسانية عظيمة.. رائعة وجميلة ونبيلة.. وهو امر دعا له الاسلام وحرّض عليه والإسلام هو دين السلام – من حق كل الشعوب ان تعيش في (سلام)، هذه ابسط الحقوق. اذا كان هناك خلل وعيوب في الاتفاقيات فهذه الاشياء لا تقدح في (السلام) ولا تقلل منه – فليس هناك أسوأ من (الحروب) – غير ان الخلل والعيب احياناً يكون فينا وفي الاتفاقيات التى تشوّه (السلام) وتظهره بصورة يبدو فيها اسوأ من (الحرب).

 التجارة بالسلام اسوأ من التجارة بالحرب.. لأن تجارة الحرب تتم في النور بينما تحدث تجارة السلام في الظلام.

 العدو في الحرب واضح.. ولكن العدو في السلام مستتر ومتخفي.

 العدو في الحرب يظهر في هيئة (عدو)..والعدو في السلام يظهر في هيئة (صديق).

 نحن في حاجة الى ان نطبق (السلام) بصورة حقيقية وبسلام فعلي حتى ننعم به ونعيش في خيراته.. عكس ما يحدث الآن اذ يتحقق (السلام) في السودان بصورة سلبية لا يستفيد منه إلّا القادة اما الذين وقعت من اجلهم اتفاقية (السلام) فلا يجدون منه إلّا ما كان يجدونه في (الحرب) اضعافاً مضاعفة من المعاناة والموت والتهميش.

 كنا ننتظر حياة رغدة لأبناء الشمال والجنوب بعد توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام في يناير 2005م وكنا نتوقع ان يؤدي بنا (سلام جوبا) الى الخير وان يجد ابناء دارفور على وجه خاص الحياة التى يستحقونها فهم اهل للخير والحب والوئام.

(2)

 في تعريف حروبنا الاهلية وفي تاريخها الاسفيري والوجداني ايضاً يقال : (الحرب الأهلية السودانية الثانية هي حرب أهلية بدأت في عام 1983، بدأت بعد 11 عاماً من الحرب الأهلية السودانية الأولى بين أعوام 1955 إلى 1972، درات معظمها في الأجزاء الجنوبية من السودان أو في منطقة الحكم الذاتي الذي يعرف بجنوب السودان، وتعتبر إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن وراح ضحيتها ما يقارب 1.9 مليون من المدنيين، ونزح أكثر من 4 ملايين منذ بدء الحرب. ويعد عدد الضحايا المدنيين لهذه الحرب أحد أعلى النسب في أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية، انتهى الصراع رسمياً مع توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام في يناير 2005 واقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير وبين قائد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق).

 لقد اقتسموا كل شيء بما في ذلك الارض والشعب.

 هذا عن تاريخ الحرب الاهلية التى كانت في الجنوب وهي في حقيقة الامر لم تكن بين الجنوب والشمال .. وإنما كانت بين حركات في الجنوب وبين الحكومة.. والدليل على ذلك ان القوات المسلحة التى حاربت تلك الحركات كان يوجد فيها عدد كبير من ابناء الجنوب.. الدكتور جون قرنق نفسه كان على رأس كتيبة عسكرية لإنهاء التمرد في الجنوب عندما اشتعلت شرارته مجدداً في 1972م كما شاركت بعض القيادات الشمالية مع الحركات الجنوبية التى كانت تحارب المركز وتتمرد عليه امثال الدكتور منصور خالد وياسر عرمان وغيرهم من ابناء الشمال.

 تاريخ السلام في السودان تقول نتيجته بعد اتفاقية نيفاشا- قتل الدكتور جون قرنق وهو في طائرة العودة من يوغندا الى الخرطوم بعد ثلاثة اسابيع من توليه منصب النائب الاول.. قتل قرنق في طائرته وهي في نمط (السلام) بعد ان ظل (محارباً) في الغابات والأدغال (28) سنة لم يصب بأذى او يتعرض لخدش وقتل بعد اقل من (6) اشهر من توقيع اتفاقية السلام بين المؤتمر الوطني والجيش الشعبي لتحرير السودان في 9 يناير 2005م.

 سلام نيفاشا كان عبارة عن حرب باردة بين المؤتمر الوطني والجيش الشعبي لتحرير السودان.

 اسوأ من ذلك ان سلام نيفاشا ادى الى اسوأ حدث في تاريخ السودان وذلك بانفصال الجنوب.. لتعود الحروب في الشمال وفي الجنوب بشكل اخر رغم (الانفصال).

 دفعنا ثمن (السلام) غالياً فقتل الدكتور جون قرنق وحدث الانفصال .. وهذه نتائج ما كان يمكن ان نصل لها في حالة (الحرب) رغم ما فيها من سوء.

 الآن نخشى ان يؤدي (سلام جوبا) الى نفس نتائج (سلام نيفاشا) وكل الدلائل تشير الى ذلك بعد ان اصبح السودان بعد (السلام) في وضع اسوأ – لم تتوقف الحروب واشتعلت النزاعات القبلية بصورة اكبر وأصبحت الازمات اكثر شيوعاً في ربوع الوطن بما في ذلك منطقة دارفور التى دفعت الكثير في الحرب وتدفع الآن اكثر في السلام ويتداعى له السودان كله بالحمى والأزمات والخلافات والصراعات.

 بعد توقيع السلام في يناير 2005 فقدنا (جوبا) التى خرج منها (سلام جوبا) والذي سوف يجعلنا نفقد اكثر.

(3)

 قدم لنا (سلام جوبا) اسوأ نسخه (السياسية) الممثلة في قيادات حركاته المسلحة التى مازالت جيوشها موجودة في الخرطوم اذ يبدو للجميع ان هذه الحركات المسلحة جاءت من اجل تصفية الحياة (المدنية) في السودان وتحويله الى (جحيم).. ما فشل فيه الدكتور جبريل ابراهيم وهو (محارب) بالرصاص والدبابات والمليشيات حتى وقواته في العدل والمساواة تقتحم امدرمان وتتكبد فيها خسائر فادحة ينجح فيه الآن وهو (وزير) بالضرائب والجمارك والجبايات والتوم هجو !!

 حركات دارفور كانت تعارض وتحارب عن طريق (السلاح) فهو وسيلتها التى تعبر عنها – من الطبيعي ان لا تتخلى عن سلاحها بعد ان وصلت للسلطة لأنها تدرك ان (السلاح) هو الذي اوصلها للكرسي .. لن تتخلى عنه لأنها لا تملك فكراً او رؤية او قدرة على الحوار لا في حالة الحرب ولا في حالة السلم.

 حركات دارفور (السلام) عندها لا يختلف عن (السلاح).

 علماً ان نظام الانقاذ اسقطته (السلمية) وأطاح به الشارع بعد ان فشل الجيش الشعبي لتحرير السودان والحركات المسلحة في دارفور والنيل الازرق والمجتمع الدولي بالولايات المتحدة الامريكية وضغوطها السياسية والاقتصادية من اسقاطه.. ليسقط بعد (30) سنة بمواكب شعبية سلمية ترفع شعارات السلام والحرية والعدالة.

 لقد نجح جبريل ابراهيم فيما فشل فيه الكيزان في نظامهم البائد عندماحول حياة السودانيين (جحيم) لا يطاق، هذا امر لم يصل له النظام البائد بكل جبروته وبطشه وقمعه ومليشياته وكتائب ظله وبيوت اشباحه.

 يحقق جبريل ابراهيم للمؤتمر الوطني ما فشلوا فيه عندما كانوا في السلطة.

 حركات دارفور تفتت في السودان.. جبريل ابراهيم يمزق في المواطن بالزيادات.

 ما فشلوا فيه بالحرب نجحوا فيه بالسلام.

 اخر رصاصة اطلقتها وزارة المالية على الشعب هي رصاصة زيادة رسوم العبور بمحطات الطرق القومية بنسبة 600% ابتداءً من 1 اكتوبر .. قد تكون تلك الرصاصة هي رصاصة (الرحمة) حتى يرتاح الشعب من المعاناة والضنك والعذاب اليومي بسبب الزيادات التى يعلن عنها وزير المالية (رمياً بالرصاص) على المواطنين في كل يوم.

 زيادات في الاسعار الغذائية وزيادات في المحروقات والكهرباء ورسوم الدراسة والترحيل.. زيادات حتى في (العبور).. لم يبق لهم إلّا ان يفرضوا رسوماً على (الموت) والمغادرة من هذه الفانية.

 تباً لكم.

(4)

 بغم

 فرحة الفلول بعودة الطاهر ايلا والاستقبال الذي وجده في بورتسودان مثل فرحة (الطيش) عندما يأتي في نتيجة نهاية العام الدراسي (تاني الطيش).

 اما الطاهر حسن التوم فإننا لم نظن انه (ممكون) لهذه الدرجة.. الرجل يتأوه وجعاً.

 حسن اسماعيل يبدو انه خصصوا له جزءاً كبيراً من (نثرية) عودة ايلا لهذا كان بكل هذا الفرح.

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة