مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب : السياسة أس المصائب


كل المصائب التي يعاني منها البلد بسبب السياسة والساسة، ورغم ذلك هي آخر اهتماماتنا.

نحتفل كمجتمع بمهنة الطب غاية الاحتفال، وها هي هذه المهنة عاجزة كل العجز من أن تتخلص من جثث قابعة لشهور حيث عجز الأطباء من تشريحها، ومن أن يعطوا الإذن بدفنها.
كل يوم تأتينا الأخبار بعرقلة تشريح وستر هذه الجثث.
ليس بسبب عدم كفاءة الأطباء، ولكن بسبب أن هذه الجثث وراءها السياسة أس المصائب، ووراءها سياسيون مجرمون.
وعليه لن تتحرك مهنة الطب، ولن تستطيع أن تباشر عملها إلا عبر هؤلاء الساسة، فإن لم يرضوا هؤلاء الساسة، فستظل هذه الجثث مكدسة وموجودة إلى أن يعم الطاعون أرجاء البلد بسببها وفقا لما ذكره المختصون.
إن تحكم الساسة في شؤون البلد لهذه الدرجة الخطيرة يعد سببا كافيا وضروريا ومهما للبحث عن حل لهذه المعضلة.
ولعل أبرز هذه الحلول يتعلق بالعلم والمعرفة، وعليه لا بد أن تكون كليات السياسة في الجامعات السودانية هي الأعلى مجموعا في استيعاب الدارسين حتى تتمكن من تأهيل ساسة أكفاء ومهرة قادرون ومتمكنون من قيادة البلد.
ما السبب الذي يجعلنا نجعل كلية الطب هي الأعلى نسبة والأعلى تقديرا للقبول في الجامعات؟
من الذي يقود الآخر؟
هل الطبيب يقود السياسي؟
أم السياسي يقود الطبيب؟
ليس هذا فقط.
من الذي يعطل عمل الآخر؟
أليس السياسي هو من يعطل عمل الطبيب؟
فلماذا نجعل الطبيب يتقدم على السياسي في الكفاءة والتأهيل؟
من الذي أحرز درجات أعلى في الرياضيات وفي العلوم؟
أليس هو من يدخل كلية الطب؟
فما فائدة هذا الطبيب إن كان لم يستطع إلى الآن أن يحل مشلكة جثث مكدسة؟
وكل الأمر في يد السياسي، وهو الذي أقل إمكانيات وقدرات من الطبيب؟
لماذا لا نحل هذه الأزمة من جذورها؟
حيث نجعل من يفهم ومن يستوعب أكثر هم الذين يتصدرون كليات الساسة؟
فلقد شاهدنا اليوم أن الطبيب رغم ذكائه ونبوغه لم يكن لديه أي دور في كل مجال يتعلق بالصحة.
لم يكن لديه أي دور في عدم تحويل العلاج من مجاني إلى خاص.
لم يكن لديه أي دور في تحويل المسنشفيات إلى خرابة.
لم يكن لديه أي دور في عدم تأهيله هو نفسه التأهيل الصحيح؟
كل هذه الأدوار يقوم بها السياسي.
ويا ليته كان جاهلا فقط بل مع جهله خائن وعميل.
فهو حسب إمكانياته وقدراته غير قادر على إدارة شؤون أسرته دعكم من إدارة شؤون دولة.
والجاهل يسحب معه الجاهل.
والخائن والعميل يسحب معه شبيهه.
والمتضرر من كل ذلك هو الوطن والمواطن.
إن الأمر بيدنا، فإن كنا نريد أن يتصدر المشهد السياسي المسؤول الكفء والأمين، فلنغير من سياستنا التعليمية، ونتعوض الله فيما أنتجته في السابق.
وذلك يتم عبر خطوتين فقط:
الأولى: وضع أعلى الرواتب والميزات لمنتسبي كليات السياسة في الجامعات.
الثانية: مرتبطة بالنقطة الأولى حيث نجد مباشرة أن أكثر المقبلين لكليات السياسة هم الذين أحرزوا أعلى النسب.
حينئذ سوف يدرس بكليات السياسة الطلاب الأعلى كفاءة وذكاء.
وحينما يتولون مناصبهم السياسية سوف يأمرون الأطباء بأن يمارسوا عملهم في المستشفيات بالشكل الصحيح.
فالسياسي الكفء يترك كل متخصص أن يمارس عمله ولا يتدخل فيه.
السياسي الكفء يبحث على أكفاء مثله يعينونه في إدارة شؤون البلاد.
أما إذا تركنا من يدخل كلية الطب هم أعلى الطلاب درجة كما يحدث الآن، ونترك لكليات السياسة للأقل منهم كفاءة ومستوى، فسوف يحدث لنا في كل مرة ما يحدث الآن وهو أن لدينا أطباء أكفاء، ولكنهم لا يستطيعون أن يعملوا شيئا؛ لأن كل الأمر بيد السياسيين الأقل منهم كفاءة وقدرة ومستوى.
وبالتالي كل قرارتهم وأعمالهم سوف تكون أقل كفاءة وقدرة ومستوى.
ولن نستفيد من هؤلاء الأطباء الذين لا حول لهم ولا قوة مع هؤلاء الساسة.
والدليل هذه المشارح المكدسة بالجثث.
الدليل المستشفيات الحكومية التي تحولت إلى خرابة.
الدليل فتح عشرات كليات الطب مقابل عجز حصول هؤلاء الأطباء على الامتياز.
الشاهد من كل هذا الحديث هو أن التفوق والنبوغ ينبغي أن يسير بصورة طردية مع عظمة المهام وحل المشكلات.
بمعنى أنه كلما كان أصحاب المجال متفوقين ومبرزين كلما أداروا مجالهم بحكمة واقتدار، وبما أن السياسة بحكم مجالها تتحكم في كل المجالات الخدمية من صحة وتعليم ومعاش وإعلام وحريات بل وقد تطال القضاء لأجل كل ذلك فلا ينبغي إطلاقا أن يكون هناك مجالا أهم منها ومتقدم عليها في الاعتناء به وفي تأهيله.
ليس هذا فقط فما هو مشاهد الآن هو أن مجال السياسة يتصدره كل من هب ودب بينما يتم الاعتناء بالمجالات الأخرى والتي هي جميعها تنقاد وراء قرارات وهيمنة السياسة.
إن التعليم الجامعي ينبغي أن يسير وفقا لما يحتاجه البلد، وليس وفقا لاعتبارات مجتمعية أو مادية.
ينبغي أن نتحكم تماما في تركيبة المجتمع حتى لا نصطدم بنتائج كارثية ووخيمة.
ينبغي أن نتحكم في تكوين هرم التأهيل الجامعي؛ لينعكس ذلك على تلبية حاجات المجتمع حسب أهميتها وحسب حوجتها.
إن قمة هذا الهرم بل والمئة الأوائل من امتحان الشهادة السودانية ينبغي أن يوجهوا مباشرة لكليات وتخصصات السياسة.
بقية المستويات توزع حسب رغبات الطلاب وقدراتهم في إتقان كل مجال.
بحيث لا يخرج طالب واحد قبل أن يتقن مجاله الذي يدرس فيه.
وبذلك سوف نحصل بتراكم الخبرات وتسلسل الأجيال على دولة متوازنة ومتقدمة في كل المجالات سواء صحية أو تعليمية أو خدمية.

صحيفة الانتباهة