محيي الدين شجر يكتب : (عجائب غرفة النقل)
اندهشت غاية الاندهاش حين علمت أن رسوم العبور المقدِّرة بـ(600%) التي وضعتها الهيئة القومية للطرق والجسور للشاحنات والبصات السفرية على الطرق القومية تساوي فقط (31900) جنيه، فقط، للمسافة من ميناء بورتسودان إلى العاصمة الخرطوم..مثالاً .. ..
ومبعث اندهاشي جاء من واقع الحملة الشرسة التي شنَّتها غرفة النقل على الهيئة حتى ظننت أن الطرق والجسور وضعت رسوماً فلكية مليارية إذا طبِّقت فإن عمل غرفة النقل سيتوقف تماماً ويصيبها الفقر وتخرج من السوق.
وازدت عجباً حين تبيَّن لي أن تعرفة رسوم العبور للبصات السفرية (12900) جنيه، لذات المسافة وسعر التذكرة (20500) جنيه، ينالها الكمسنجي الذي يعمل داخل الميناء البري.
بعد هذه المعلومات أرى أن البلد في معادلة واحدة، أما أن تمتنع الشاحنات والبصات السفرية عن دفع رسوم الهيئة القومية والتي أراها ضعيفة جداً نتيجة للتضخم الذي ضرب اقتصادنا أو تقوم بدفعها على الفور.
وفي الحالة الأولى إذا رفضت الانصياع لها كما هدَّدت وأرغت وأزبدت وملأت الدنيا ضجيجاً عليها أن تستعد للتعامل مع طرق مهترئة ومتشققة لتتكبَّد المليارات في صيانة عرباتها وآلياتها الثقيلة التي لها دور كبير في إتلاف الطرق.
وفي الحالة الثانية إذا قامت بدفعها فإنها تكون قد ساهمت في تعبيد الطرق التي تسير فيها عرباتها وبالتالي حافظت على آلياتها وعرباتها واختصرت المسافات .
وبحسب متابعتي لما يدور في النقل البري في السودان فأنا أعلم أن البصات السفرية زادت من قيمة تذكرتها لأكثر من (1000%) منذ العام 2019م، العام الذي حدَّدت فيه الهيئة القومية للطرق والجسور رسومها التي عدَّلتها قبل أيام.
بينما ضاعف أصحاب الشاحنات قيمة الطن إلى أكثر من (1800%) فلماذا يأتون بأمر ويحرِّمونه على الآخرين، وبأي منطق ترفض غرفة النقل رسوم العبور الجديدة؟
المنطق الذي يجب أن تعيه غرفة النقل أن عليها أن تحرص على أن تكون هنالك طرق بمواصفات جيِّدة حتى لا يصيبها الضرر، وأن تساهم من ريع مسؤوليتها المجتمعية كشركات استثمارية ضخمة في تحسين طرق السودان القومية بدلاً من الضجيج الذي تحدثه.
في دول العالم والصين مثالاً فإنها تفرض لكل مائة كيلو رسوماً بقيمة سبعة دولارات، ولهذا تطوَّروا في مجال الطرق وأنشأوا الكباري الطائرة لتوفر الأموال، لأن صناعة الطرق مكلفة جداً ويُشيَّد الكيلو الواحد بأربعمائة ألف دولار.
كما تفرض دول عربية كثيرة رسوماً مقابل السير على طرقها القومية ونجحت في المحافظة عليها.
لكننا في السودان لا نتمتع بأي وطنية ويهمنا تحقيق الربح وأن كان على أجساد الناس.
لقد تأخرت الهيئة في زيادة رسوم عبورها أكثر من اللازم ولهذا فشلت تماماً في صيانة الكثير من الطرق القومية فأصبح من يسير عليها كمن يسير إلى حتفه من كثرة الحوادث المرورية.
علينا أن نحافظ على الطرق الموجودة حالياً لأننا لا أظن قادرون على تشييد طرق أخرى في القريب بسبب الظروف الاقتصادية السيئة جراء الخلاف والشقاق والتناحر السياسي والمحافظة على الموجود يتم من خلال إيراد الهيئة، لأن المالية لن تدفع لها أي مليم.
على الهيئة أن تشمِّر عن ساعد الجد وتقوم بتطبيق قوانينها للمحافظة على الطرق بتفعيل الموازين، لأن من غير المعقول أن يتوقف العمل في ميزان الدامر، لأن البعض يرى حسب فهمه القاصر أنه ميزان تمر عبره الشاحنات السودانية ويختلف عن ميزان دنقلا الذي تمر به الشاحنات المصرية، وبالتالي ليس ملزماً بدفع رسوم العبور ويقوم بإغلاقه بإحراق اللساتك وبإحداث الفوضى، والميزان تم إنشاؤه لأجل إيقاف عبث الشاحنات التي لا تلتزم بالموازين وتصر على زيادة حمولتها .
من قبل كنت شاهداً على عزم للهيئة لتطبيق قانون الحمولات لكنها فشلت في تطبيقه وخاصة فيما يتعلق بالترلات التي تسبب الحوادث فاستجابت للعاصفة وسمحت لعربات القمح والوقود فقط.
وأعتقد أن المبرِّرات التي جعلتها في السابق تنحني للعاصفة قد انتفت الآن بعد رفع الدعم عن الوقود والقمح.
لا توجد دولة في العالم تسمح بمرور الترلات الدبل، بسبب خطورتها على الطرق وتأثيرها الخطير إلا السودان بسبب المجاملات.
طبِّقوا القوانين أو تساهلوا لتستيقظوا ذات يوم ولا يوجد طريق قومي واحد صالح لحركة المرور.
صحيفة الصيحة