دور البنك الدولي في التنمية في السودان!! (تعقيب على مقال وكيل التخطيط السابق)
بقلم التاج بشير الجعفري
من المهم دائماً أن نتعرف على الحقائق والمعلومات عن أي مجال من المجالات من خلال المتخصصين والعارفين، والذين مارسوا العمل في هذه المجالات وخاضوا دهاليزها وخبروها.
مناسبة هذه المقدمة القصيرة هي المقال الضافي الذي كتبه بالأمس وكيل التخطيط الإقتصادي السابق، المستشار مكي ميرغني عثمان، عن دور البنك الدولي للإنشاء والتعمير ومساهمته في التنمية في السودان والذي سرد فيه (بالأرقام) مجموعة المشاريع الكبيرة التي مولتها هذه المؤسسة المالية العريقة منذ العام 1958م كما جاء في المقال، أي بعد عام من تاريخ إنضمام السودان لمجموعة الدول الأعضاء في “مجموعة بريتون ودز”.
حقيقة إشتمل مقال المستشار مكي على سرد ضافي ومختصر للمنح والقروض التي قدمها البنك الدولي وشركائه لإقامة مشاريع كبيرة ومهمة لا تزال تُساهم في مجال التنمية في البلاد حتى الآن، هذا بالإضافة لمساهمات البنك التي لا تُخطئها العين في تأهيل وتطوير القطاع الزراعي وقطاعات المياه والطاقة والتدريب وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى.
ولكن رغم ذلك نجد من يتشكك في دور البنك الدولي في تقديم الدعم لمشاريع التنمية في البلاد. بل أكثر من ذلك، هنالك من يُقللون صراحة من أهمية هذا الدور ويُبررون ذلك بأن التعاون والعمل مع المؤسسات المالية الدولية (البنك والصندوق الدوليين بشكل خاص) يُعتبر تفريطاً في “السيادة” ورهناً لموارد البلاد للخارج، ولا أدري كيف يكون ذلك والكثير من الدول استفادت من المنح والقروض التي تقدمها هذه المؤسسات المالية الدولية ولم نسمع عن دولة إستولى البنك الدولي أو الصندوق على مقدراتها أو مؤسساتها العامة!! … بل على العكس فإن ما حدث في السودان بسبب غياب الرؤية الاقتصاية الواضحة أدى لتدمير مُمنهج لمشاريع ومؤسسات راسخة كانت ترفد الخزينة العامة بإيرادات مالية مُقدرة قبل أن تُجهز عليها “الخصخصة العشوائية” التي لا يُعرف كيف تمت وأين ذهبت أموالها.
هنالك أيضاً فئة من الناس ترتبط في أذهانهم المعارضة “المتوارثة” لكل ما يمت بصلة لمؤسسات التمويل الدولية، ويعود ذلك في أغلب الأحيان إلى “الرأي او الحكم المسبق” لما سيترتب أو ينتج عنه التعاون والعمل مع البنك الدولي كمؤسسة مانحة ومقرضة للأموال للدول الفقيرة والنامية يُضاف لهذه الفئة مؤيدي وأنصار أحزاب اليسار الذين تُملي عليهم “عقيدتهم الفكرية” معارضة أي توجه للعمل مع المؤسسات المالية الدولية دون أن تكون لهذه الفئات بدائل أو حلول أخرى.
المعروف أن التعامل مع كل مؤسسات التمويل (بنوكاً تجارية أو مؤسسات تمويل دولية) تحكمه أسس وشروط حسب الإتفاقيات المبرمة والتي على أساسها يتم منح التمويل، ولكن دائماً تبرز الصعوبات والمشاكل عندما تعجز الدول المقترضة للأموال عن دفع مستحقات هذه الديون ويعود السبب المباشر في ذلك إلى غياب الكفاءة في إستخدام الموارد لدى هذه الدول وليس للمؤسسات الممولة دور في هذا الإخفاق.
لذلك نؤكد أنه لا شك في أهمية دعم البنك الدولي وشركائه لتنمية القطاعات الاقتصادية خاصة في ظل عدم توفر الموارد الكافية للتنمية من قبل الدولة.
هذا مع العلم أنه قد توفرت أموالاً طائلة للبلاد من تصدير البترول خلال الفترة من 2005 وحتى 2010 ولكن للأسف لم تُستغل تلك الأموال في إحداث النهضة التنموية المطلوبة أو على الأقل دفع المستحقات المتأخرة لمؤسسات التمويل الاقليمية والدولية حيث كانت الحجة أن تلك الأموال تم إقتراضها خلال فترات حكم سابقة؛ متناسين أن مثل هذه الإتفاقيات الدولية تتم الموافقة عليها بإسم الدولة، كعضو في منظومة المؤسسات الدولية، وليس للسلطة الحاكمة.
أيضاً أشدد على أهمية الموارد الوطنية التي تُمثل “الرافعة الداخلية” في تمويل التنمية وهو ما أفتقده الإقتصاد خلال الفترات السابقة ولا يزال؛ إذ لا ينبغي التعويل على الدعم الخارجي مهما بلغ حجمه؛ ولابد من إستنهاض واستغلال الموارد المحلية (الوطنية) وتوجيهها للتنمية والإعمار مع ضرورة تقليص الإنفاق الحكومي وتقليل هدر الموارد ومكافحة الفساد والقضاء عليه.
غني عن القول أن الإنخراط في الشراكات مع هذه المؤسسات المالية العريقة يوفر دعماً مالياً وفنياً، كما يفترض إشتراطات ومعايير للتخطيط والتنفيذ والتقييم والمتابعة وكل ما يقترن بذلك من مباديء الشفافية والكفاءة والمحاسبة وهي معايير تفتقدها الدول الفقيرة في تنفيذ أعمالها، ولهذا السبب دائماً تكون النتائج على غير المأمول؛ ولذلك ستستفيد الدول الفقيرة من تطبيق هذه المعايير العالمية من خلال تعاونها مع هذه المؤسسات بالإضافة لفرص التدريب والإطلاع على أفضل الممارسات العملية التي سيحصل عليها منسوبيها من خلال العمل والتواصل مع هذه المؤسسات.
إذاً التعاون والدخول في شراكات مع البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو أي من الجهات المانحة بغرص تطوير القطاعات الإقتصادية في البلاد شيء مطلوب ولا يجب الحكم عليه من منظور الشعارات السياسية أو الاحكام المسبقة بناء تجارب الدول الأخرى؛ حيث لكل دولة مشاكلها وظروفها التي تختلف عن الأخرى؛ هذا مع الإشارة للعديد من التجارب الناجحة للدول التي عملت على إصلاح إقتصاداتها من خلال برامج إقتصادية مع البنك وصندوق النقد الدوليين والوكالات التابعة لهما.
نشير هنا إن البنك الدولي قدم في شهر يوليو من هذا العام 2022م منحة بمبلغ 100 مليون دولار لمعالجة مشكلة إنعدام الأمن الغذائي لما يُقارب 2 مليون شخص في البلاد، وقد تم تقديم المنحة مباشرة عن طريق برنامج الأغذية العالمي في السودان (WFP) بسبب توقف أنشطة البنك في البلاد بعد إنقلاب 25 أكتوبر 2021م.
تبقى أن نذكر بأن أي عمل أو “نشاط” في أي مجال ينطوي على بعض “المخاطر” التي يجب التحسب لها ودراسة ما يمكن أن تتسبب فيه، وهو الجانب الذي يعلمه المختصون ويسعون جاهدين للسيطرة عليه والتقليل من آثاره السالبة.🔹
صحيفة الانتباهة