تاجر الدين والعلمانية !
( قبيل وقت في تطاول على الدين يعلموه الناس الموجودين الآن أنا الوقفت في وشو، أي “تطاول” أي “كلام زايد” أنا الوقفت ليهو كل الناس قاعدة تتفرج.. وتاني ما بغشونا بالدين ) – حميدتي
▪ بدأ حميدتي حديثه ( بالتطاول) على الحقيقة، فكلمة (قِبيل )، أي زمان، كلمة مضللة، فالتطاول على الدين ليس شيئاً من الماضي، وإنما هو حاضر تحمله قوانين قحت الباقية، ويحمله دستورها المقترح، ويحمله التوجه القحاطي العام الذي يعلمه حميدتي، ولا “يقيف في وشو”، ولا يصمت عمن يقفون !
▪الطريق الذي اختار حميدتي السير فيه، أي أن يقدِّم نفسه إلى الرأي العام السوداني في صورة المتصدي الأول والوحيد للتطاول على الدين، ويقدِّم نفسه للخارج في صورة المدافع الأول عن الدستور العلماني المقترح، والمرجو الأول للتصدي لمن ينتقدونه، هذا الطريق الذي يجعل الدين والعلمانية مجرد عدة شغل يحتاجها لبناء مجده السياسي، سيوصله في النهاية – إن لم يكن قد أوصله فعلاً – إلى نقطة تجعله يجمع بين التجارة بالدين وبالعلمانية معاً !
▪ قد يقول قائل : لا أدري ما هي الأشياء التي يجب أن تضاف إلى كوكتيل التغابي، والقابلية للإذلال، وتخانة الجلد، حتى يتمكن القحاطي المركزي من الاحتفاء بحديث حميدتي الأخير عن رفضه التجارة بالدين، فهذا الكوكتيل لا يكفي للذهول عن حقيقة أنه قبل هذا الرفض كان قد اعترف بأن حلفاءه القدامى المتجددين يتطاولون على الدين ! لكن يمكن إزالة حيرته بتذكيره بأن القحاطة المركزيين لا يهتمون بهذا الاعتراف، فو لا يضيف كثيراً الحقيقة المعلومة، ثم إنهم لا يرفضون نوع “التصدي” الذي يتحدث عنه لأنه يخدمهم كثيراً !
▪ إذا صح أن الجميع – عدا حميدتي – صمتوا عن تطاول القحاطة المركزيين على الدين، فلا وجه لاتهام بعضهم بالغش بالدين، على الأقل في فترة صمتهم ! ولا إمكانية للجمع بين اتهامهم بالصمت واتهامهم بالتجارة بالدين إلا لدى من يجهل أبسط قواعد المنطق التي يُفطَر الناس عليها، أو من يعلمها لكنه يعتقد أن الجمهور الذي يخاطبه يجهلها !
▪نعم اعترف حميدتي بوجود التطاول لسبب ذاتي يتعلق بتلميع صورته، فهو اعتراف وظيفي ليس مقصوداً لذاته .. نعم لم يكن صادقاً في حديثه عن تصديه للتطاول، لكن تبقى الحقيقة أن التطاول كان كبيراً وظاهراً ومُسلَّماً به، ولذلك قال: ( يعلموه الناس الحاضرين )، وكان التطاول فاجراً إلى مستوىً جعله – بحسه الاستثماري، حتى لا نقول الانتهازي – يرى بأن الاستثمار الوحيد المربح هو تقديم نفسه في صورة المتصدي الوحيد له ( في الماضي/ قِبيل ) !
▪ للناس أن يقيسوا مقدار الصحة في قوله إنه من كان يتصدى للمتطاولين على الدين بينما اكتفى الآخرون بالفرجة، ليكون هذا المقدار – كبر أو صغر أو انعدم – هو الفيصل في تحديد إذا كان هو الأولى بوصف تاجر الدين أم لا !
▪بلغ حميدتي من المجد في زمن من يتهمهم بالتجارة بالدين، ما يجعله آخر من يحق له أن يتحدث عن خداعهم له، فالحقيقة الأوضح والباقية هي أنهم لم يخدعوه أصلاً، لا بالدين ولا بالوطنية ولا بأي شيء غيرهما، وأنه يبني مجده الآن على مجده القديم، وإن كان ثمة خادع ومخدوع، فليسوا هم الطرف الذي يستحق الانتقاد، اللهم إلا على الثقة الزائدة !
إبراهيم عثمان