عادل عسوم يكتب.. ولكن لاتفقهون تسبيحهم
منذ أن تفتحت مداركي للمعاني راقني تسبيح الله، ولعلي أحببت (السباحة) لارتهان اللفظ بالتسبيح فأصبحت لي هواية ورياضة أحرزت في مسابقاتها الحرة منها عددا من الميداليات الذهبية والفضية في بعض المسابقات الجامعية، وكنت خلال سباحتي اسبح الله (سرا) مع كل (شبحة يد)، وعندما احس باقتراب منافس اسرع من وتيرة تسبيح الله سرا فيعينني ذلك على تسريع وتيرة سباحتي فأسبقه بتوفيق الله.
لقد ورد التسبيح في سورة البقرة ثلاث ضمنا، أما في آية سورة الاسراء فقد ورد التسبيح فيها شاملا وسأجعلها موئلا ومرتكزا لخاطرتي هذه ان شاء الله:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} الإسراء 44
الآية الكريمة تفيد بأن كل هذا الكون يسبح الله، وبذلك فإن تسبيح الله من كل الخلائق أمر واجب التصديق، والآية كذلك تدل على أنه تسبيح حقيقي، ولكن على كيفية لا يعرفها البشر فلا يفقهون تسبيح هذه المخلوقات…
والآية الكريمة تقول أيضا: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، ولم تقل الآية: ولكن (لن) تسمعون تسبيحهم)، وهذا يعني -والله أعلم- ان سماعنا لتسبيح مافي الكون ممكن، لكننا لا نستطيع ان نفقه/ندرك كيفية هذا التسبيح، والفقه يكون بعد السماع.
فالسماع ممكن، ولكن ادراك معنى ما تقوله تلك الموجودات أو فهم ماتصدره من اصوات هو المشار إليه، وبالتالي فإن الاجتهاد لتبين كيفية هذا التسبيح لم توصد دونه الأبواب…
والتسبيح في اللغة هو التنزيه، قال السمعاني رحمه الله في تفسيره: سبحان: تنزيه الله من كل سوء، وحقيقته تعظيم الله بوصف المبالغة، ووصفه بالبراءة من كل نقص.
أنتهى
وذاك يعني ان كل كل الخلائق حيها وجمادها تنزه الله وتعظمه، هذا ما قاله لنا ربنا جل في علاه في قرآننا الكريم، فالجبال تخشعُ لعظمة آياته، والحجارة تهبِط إجلالًا، والطير صافات تسبح الله، وكذلك النجوم، والماء، والهواء، وكل الكائنات، ولايستثنى عن ذلك -حتى- الملائكة عليهم السلام.
وقد جاء التسبيح في القرآن الكريم بمختلف تصاريفه وصيغه في سبعة وثمانين موضعا، وافتتحت به سبع سور سميت (المسبحات) وهي: الإسراء والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى، وختمت به سور الحجر والطور والواقعة والحاقة.
ويتوقف المستبصر خلال تلاوته إذ يجد أن رب الكون يسبح باسمه، وكذلك كل الخلائق يسبحون
1- سبح الله تعالى نفسه في القرآن بما يقارب الثلاثين موضعا، ومنه قول الله تعالى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} الصَّفات 180.
2- تسبيح الملائكة عليهم السلام لله، وجاء في نحو عشر آيات، منها قول الله تعالى {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} الأنبياء20.
3- تسبيح الرسل عليهم السلام، وقد أمر به الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في آيات كثيرة منها: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} الواقعة 74 فكان عليه وعلى آله الصلاة والسلام يكثر القول في ركوعه وسجوده (سبحانك اللهم)، تأولا للقرآن في قوله تعالى {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} النَّصر 3.
4- تسبيح المؤمنين، وقد جاء في آيات عديدة، منها: {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} الإسراء 108.
5- تسبيح الجبال والطير {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} الأنبياء 79 {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} النور 41.
6- تسبيح الرعد: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} الرعد 13
7- تسبيح كل الموجودات: {سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} الحشر1
8- تسبيح أهل الجنة، فقد أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ} يونس 10.
قبل عقود كانت المعلومة السائدة أن أصغر مكونات المادة هي الذرة، أي أن الذرة هي أصغر جسيم، ودرج العلماء على انها جسم (مصمت) لاحراك فيه، ولكن جاء اليساندرو فولتا Allesandro Volta في عام 1800 فأثبت للناس بواسطة أستخدامه لعمود فولتا -وهو الصورة البدائية لعمود البطارية الجاف- بأن الذرة تحتوي على مكونات أصغر أسميت بالالكترونات، وهي جسيمات غير مستقرة، وأثناء دراستي وباستخدام جهاز ال Mass spectrometry وهو جهاز يشطر جزيئات العينة إلى أيونات، وبإضافة جهاز حساس للتصوير الدقيق استطعنا في المختبر تصوير حركة اليكترونات المادة، وقام الأستاذ بأيصال مكبر حساس للصوت أمكننا بواسطته سماع أصوات الالكترونات وهي تتحرك، وكم كانت التجربة مذهلة!
قطعة صغيرة من مادة لاترى بالعين المجردة، تبدو ميتة لاحراك ولا حياة فيها، تدخلها إلى فتحة الاختبار في الجهاز، فتفاجأ بأصوات كأنها أصوات سيارات مسرعة!
وقد كان الصوت يختلف باختلاف المادة موضوع الأختبار! …
هذا الصوت الذي أصدرته الإليكترونيات لم أجد له تفسيرا سوى كونه تسبيح (دائم) لكل مادة!
وبذلك فإن خلايا أجسامنا كلها تسبح باسم الله الذي خلقها، ولعلي أقول بأن ذلك يفسر لنا كيف تشهد أعضاءنا علينا يوم العرض على الله!
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النور 24
{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فصلت21
قبل سنوات كنت أشاهد برنامجا علميا في قناة ناشيونال جيوقرافيك، أفاد البرنامج بأن العلماء لاحظوا صدور ذبذبات صوتية من النباتات في المجال الذي يسمعه الإنسان، أي ضمن ترددات من 20 إلى 20000 ذبذبة في الثانية، ولكن الإشارات الصوتية التي تطلقها هذه النباتات ضعيفة جداً ولا يمكن سماعها إلا بعد تقويتها وتكبيرها آلاف المرات.
ولقد قرأت بأن العلماء لاحظوا بأن بعض النجوم تصدر أصواتاً مسموعة، ولعل النجم النيوتروني الذي سماه الله ب(الطارق) والذي يصدر صوتاً يشبه صوت المطرقة احداها، وكذلك الثقوب السوداء فإنها تصدر أصواتاً، وقرأت أيضا بأنه تم منذ فترة تسجيل الصوت الذي أصدره الكون بعد الانفحار العظيم!
واكتشف الدكتور Gimzewski أستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا باستخدام كمبيوتر ذري أن كل خلية في جسم الكائن الحي تصدر صوتاً محدداً يختلف عن الخلية الأخرى!
حتى الشريط الوراثي داخل خلايا الأجسام يصدر ذبذبات صوتية محددة، وكأنه يسبح الله ليل نهار! وهنا يمكن للمسلم أن يوقن بأن التسبيح لله يمكن أن يؤثر في نظام عمل هذا الشريط الوراثي الذي يتحكم في حياتنا!
يا أحباب:
لقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم أن كلمة (سبحان الله وبحمده) من أحب الكلمات إلى الله تعالى، وأن من قالها كل يوم مئة مرة حُطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر!
وها هو نبي الله يونس:
{فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الصافات 144،143
يا ترى ماذا كان يقول في تسبيحه؟!:
{…فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الانبياء 87
ومن بعد ذلك كان الاجتباء من الله، والصلاح:
{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} القلم 50.
ليس هناك أفضل من التسبيح وذكر الله بالمأثور يا أحباب، إنه يزكي الأنفس، ويطهر القلوب، ويوقظ الضمائر.
روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وتسبيحك وحمدك وشكرك وبالاستغفار.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله عدد ما سبح لك من حي وجماد.
آمنت بالله.
صحيفة الانتباهة