مقالات متنوعة

محمد عبد الماجد يكتب: مقال لا يشبه الباز

(1)

 أحفظ للأستاذ عادل الباز انه استاذي واني تعلمت منه الكثير واشهد له بحظوتنا بمهنية تمنحنا القدرة على التحرك بحرية تامة عندما عملنا تحت ادارته وهو رئيس لتحرير صحيفة (الصحافة) التجربة التى تبقى البقعة المضيئة حقاً في تاريخ الصحافة السودانية .ونقر ونعترف بتجربة صحيفة (الاحداث) المميزة والتى تفرق ابناؤها في الصحف الآن ليكونوا منارات يهتدى بها في فضاء الاعلام المقروء والمسموع والمرئي.

 لكن مع هذا الجميل الذي نحفظه للباز والود الذي نحمله له نختلف معه ، ولا نضع لعواطفنا اعتباراً لنسكت عن ما نراه خللاً ونحن ننشد (المهنية) الكاملة ونصبو اليها – من بعد قد نصيب وقد نخطئ ولكن في كل الاحوال نسعى ونجتهد ولا نحمل غير النوايا الحسنة لأهداف نبيلة ووطن عظيم.

 ازعجني مقال كتبه الاستاذ عادل الباز بعنوان (العدالة لوجدي) لعب فيه الباز كيفما يشاء بالمواقف وسردها على الكيفية التى تجعل الباطل حقاً. المقال يستلزم ان نشفق على الباز وليس على وجدي.

 تذكرت الباز وهو يعلمنا بذلك عندما يرمى بصفحاتنا بعد التصميم او بعد النشر على (سلة المهملات) معترضاً على المادة وطاعناً فيها في حضور صحفي يصل الى (40) صحفياً يوجه فيه الباز انتقاداته لنا بلهجة حادة وكلمات قاسية ،وأظنه الآن وهو يقرأ هذا العمود ينتفخ نفخته تلك متلفتاً يمنة ويسرة بحثاً عن (سلة مهملات) يرمى فيها بهذا القول .. كنا نسعد بذلك فنحن من جيل يدرك ان الذي يسبقنا بيوم في الصحافة يعرف اكثر مننا بمقدار سنة ضوئية كاملة والباز كان يعرف بمقدار الف سنة ضوئية.

 تعلمنا ان نحمل الود لأساتذتنا حتى ونحن نختلف معهم في هذا المقام ونحرص على ان نضبط حروفنا بقدر الامكان حتى لا تخدش جدار الود – وفي كل الاحوال لا نعرف المجاملة او المهادنة ونقول كلمتنا ونمضى ولو على رقابنا.

(2)

 حاول ان يكتب عادل الباز عن وجدي صالح (شامتاً) وان ينفى ذلك في نفس الوقت .. فالرجل لا يجد في نفسه الجرأة بعد هذا العمر ان يعلن شماتته. لهذا بدأ الباز عموده بآية قرآنية كريمة وهي عادة يفعلها الاسلاميون حتى في المواقف التى يشمتون فيها.

 نقول للأستاذ عادل الباز ليس كل من دخل السجن مذنباً فقد مكث المناضل نيلسون مانديلا في السجن ما يقرب من ربع عمره .. وخرج من السجن بذلك الادب والعلم والمعرفة والسماح الذي لم يجده حتى في الجامعات التى درس فيها. وإخوة يوسف قالوا فيما بينهم : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) وهو كان اصلحهم وأقربهم مودة لوالده. وقبل ان يتولى سيدنا يوسف ويمسك بخزائن مصر كان السجن خياراً له (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ).

 لهذا وجود وجدي صالح في السجن الآن لا يقدح في نزاهته ولا يطعن في امانته.. بل ان وجوده الآن امر طبيعي للهلع والفزع الذي كان يسببه وجدي صالح للفلول وما زالوا يرتعدون منه حتى وهو في السجن حبيساً.

 نقول للباز ان وجدي صالح لم يهرب كما فعل غيره من الذين يطلون على شاشات قناة الجزيرة من مقار هروبهم في تركيا وماليزيا وهم الذين كانوا يرقصون على اغنية (النار ولعت) وكانوا يرددون (فلترق كل الدماء) .. سلم وجدي صالح نفسه رغم الكيد الذي يعرف انهم يضمرونه له .. وخرج على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ذلك متحديّاً وراكزاً بمثل الهيبة والهيئة التى كان يطل بها في مؤتمرات لجنة التفكيك.

 كتب الباز (كان وجدي حين يصعد مسرح العبث ذلك فى كامل أناقته (لاحظت الشتارة فقط فى ألوان الكرفتات التي كان يرتديها، لا أعرف لماذا، ما عدا ذلك كان أنيقاً).. وجدي حتى وهو في محبسه بتلك الاناقة وذلك البهاء الذي لم يجد فيه الباز شيئاً ينتقده عليه غير (الكرفتات) التى كان يرتديها .. ربما رمى صالح في غياهب السجن بتلك التهمة… فليس للرجل جريمة يتهم عليها غير (شتارة) الوان الكرفتات التى كان يرتديها!! .. وهذا الامر الاسلام ليس له فيه رأي، وهو ليس من منقضات الوضوء.

(3)

 الاستاذ عادل الباز كان من المناصرين والقائدين لحملة محاربة الفساد التى ابتدعها الرئيس المخلوع عمر البشير وجاءت تحت غطاء (القطط السمان).. والتى اودت بكل الذين اختلف معهم البشير وصلاح قوش في الحزب من رجال الاعمال الى السجن.

 كان يتم هذا الامر بطريقة ادت الى ان احد رجال الاعمال مات (مشنوقاً) في محبسه وكان الباز يعتبر ذلك الامر محاربة للفساد …الباز يعترض الآن على لجنة تفكيك نظام الانقاذ عندما كانت تعبر عن الثورة ويكتب : (وددت لو أن السيدة المحترمة جيهان ذكرت لنا ماذا كان يعمل السيد وجدي فى لجنة التفكيك وكيف تعمل تلك اللجنة وماذا فعلت تحديداً؟).. علماً ان لجنة ازالة التمكين مازالت تعمل بصورة تبعدها عن الثورة ويحركها العسكر بالكيفية التى يريدون.

 عادل الباز له مقالات شهيرة وحملات معروفة كانت موجهة لشركات الاتصالات .. كان فيها يوجه الاتهامات ويصدر احكامه من منصة صحيفته .. وعندما يستدعى من النيابة او يحبس كنا نتوجه بطلاً – ما زالت قضيته مع لام اكول عندما كان وزيراً للخارجية يتوقف عندها اهل الصحافة والحريات والأحزاب مناصرين له فيها.

 الباز وجد ان يوجه اتهاماته وانتقاداته الآن لوجدي صالح الذي كان يكشف عن امتلاك قيادات الانقاذ لمشاريع زراعية بآلاف الافدنة .. وكان يمتلك بعضهم وهو جاء للسلطة كمنسق للدفاع الشعبي (99) قطعة ارض … ترك الباز كل هؤلاء ووجه اتهاماته لمن كشف امرهم وهو يكتب : (لا شك أن السيدة جيهان كانت متابعة جيدة لبرنامج (أراضي وأراضي) فى التلفزيون السودانى، فهو برنامج ممتع كان يتابعه كل السودانيين بشغف، وهو أفضل برنامج كوميديا سوداء عرض فى القنوات الفضائية العربية على الإطلاق، كان مضحكاً ومبكياً فى آن).

 هذا الذي كان يزعجهم في وجدي صالح ويجعلهم (يصرخون) هو كشفه لثرواتهم وأرصدتهم وعدد العقارات والأراضي التى يمتلكونها وهو شيء لوحده يكفي للإدانة .. لذلك كان يعتبرون في ذلك الكشف الذي يقوم به وجدي بكرفتاته ذات الالوان المشاترة إشانة سمعة لهم.

 نعم ليس هنالك اشانة للسمعة اكثر من ان تعلن عن امتلاك مسؤول لألف (دكانة) في موقف جاكسون وامتلاكه محلات على شاطئ نهر النيل تصل مساحتها لكيلومتر كامل، في الوقت الذي كان يعيّر فيه المسؤولون الشعب بأنهم قبل الانقاذ كانوا لا يمتلكون غير (قميص واحد) ولا يعرفون (السكر) و(الكبريت).

 يتفاخرون وهم الذين يمتلكون (99) قطعة ارض بأكل الشعب السوداني للبيرقر والبيتزا بفضلهم .. هكذا كان يعتبر رئيسهم انجازاته للشعب السوداني.

 بعضهم كان يمتلك (132) قطعة ارض.. وبعضهم يمتلك احياء سكنية… والباز لا يرى في ذلك الامر عيباً غير (كرفتات) وجدي صالح التى كانت الوانها مشاترة!!

 حتى (الكرفتات) لم يسرقها وجدي ولم ينهبها .. ولا عيب فيها غير ان (الوانها) مشاترة.

(4)

 اين مهنية الباز التى كان يحاسبنا عليها ؟ وهو يكتب : (الآن وجدي مرتاح فى سجنه توفرت له كل مطالبه وينتظر تحقيقات النيابة لتقدمه للقضاء. وقد يخرج بالضمان، وهذا هو القانون وتلك هى العدالة لو استمرت فى طريقها دون تدخلات …. عكس ما كانت تفعله لجنة التفكيك. والذاكرة حية). وهو محروم من قبل وزير الداخلية شخصياً ووالي الخرطوم من (مخدة) يتوسدها في محبسه .. أهذه هي العدالة عندكم؟

 اما قول الباز : (كانت الكرونا يا سيدة جيهان تحصد فى أرواح البشر بلا هوادة، وقتها كانت لجنة وجدى تدفع بالعشرات إلى أقبية السجون دون أى تقدير لخطورة المرض، أكثر من مائة فى سجن المقرن وفاضت كوبر بالسجناء ولشهور بل ولسنوات دون أي اتهام !!. قضى السيد الشريف ود بدر نحبه وهو يبحث عن علاج فى الشارع على ظهر إسعاف….حصدت الكرونا روح الشهيد المهندس الطيب بعد يوم واحد من خروجه من زنازين التفكيك مصاباً بالكرونا. ظل الطيب حتى مماته يتساءل عن تهمته وهو الذي لا يعرف الفرق بين الوطنى والشعبى إذ لا علاقة له بالسياسة…هل تعلم السيدة جيهان أن الشهيد الزبير أحمد الحسن، الأمين العام للحركة الإسلامية مات بالإهمال الطبي؟). فنرد عليه بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام : (إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

 هؤلاء الذين يطلق عليهم الباز (شهداء) ماتوا بالكرونا .. لم يقتلوا في طائرة او في حادث حركة او عن طريق زبادي مسموم!!

 اذا كان هؤلاء الذين ذكرهم الباز شهداء .. ماذا يسمى الباز الشباب الذين لم يكمل بعضهم العشرين وهم يموتون بالرصاص وعبوات الغاز المسيل للدموع في الشوارع وهم يطالبون بالحرية والسلام والعدالة؟ .. لا يملكون (99) قطعة ارض ولا (مخدة)!!

 119 شهيداً قتلوا بعد انقلاب 25 اكتوبر بالرصاص والباز يقف عند شهداء (الكرونا).

 نطالب الباز ان يكتب لنا عن زملاء المهنة.. عن الزميل الجميل الفاضل الذي اصيب ابنه الفاضل برايش في عينه .. ثم اصيب ابنه مصطفى بعد (72) ساعة برايش في ذراعه.

 نسأل الباز ان يكتب لنا عن الزميل عبداللطيف احمد (ضفاري) الذي فقد عينه بسبب الاعتداء الغاشم الذي وقع عليه وهو يستعد في هذه الايام للتخلص من احدى كِليتيه بعد ان توقفت وظائفها بعد توقف وظائف مؤسسات السلطة المدنية.

(5)

 بغم

 ولا نقول بعد ذلك إلّا لا حول ولا قوة إلّا بالله.

 المساحة لا تسمح بأكثر من ذلك واظني جرت على الزملاء في اخيرة (الانتباهة) اليوم… لهم العتبى حتى احتجب!!

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة