رأي ومقالات

تصاعد أسعار الوقود.. النبش في الأزمات الاقتصادية


عادت إلى المشهد مجدداً زيادة أسعار الوقود، لتصير امتداداً لسيل الأزمات الاقتصادية التي يعيشها السودانيون منذ أعوام خلت، وما هو معلوم أن سلعة الوقود تعتبر المحرك الرئيس لمجمل القطاعات الاقتصادية والخدمية، وأن أي زيادة تفرضها الحكومة على السلعة تخصم من رصيد تلك القطاعات من حيث الإنتاج والخدمات التي يتلقاها المواطن، وعلى ما يبدو أن سلعة الوقود بعد تحريرها من الداخل لأجل مواكبة السوق العالمية باتت تشهد أسعارها تعديلات شهرية ما بين الارتفاع والانخفاض، لكن ما يراه مراقبون أن هذا لم يكن حلاً جذرياً يمكن من خلاله أن ينعش الاقتصاد، بل ذلك سيعقد المشهد أكثر مما هو عليه نسبة لدخول السلعة في مجالات متعددة وعلى رأسها الزراعة والصناعة بمختلف مراحلها في العملية الإنتاجية والتصنيعية.

أسعار جديدة
وكانت وزارة الطاقة والنفط أمس الأول أعلنت عن زيادة أسعار البنزين الجازولين، وقالت الوزارة في بيان تحصلت (اليوم التالي) عليه إن زيادة أسعار الوقود جاءت في إطار سياسة مراجعة الأسعار الشهرية حسب الأسعار العالمية للمنتجات النفطية وتكلفة الإنتاج المحلي، وأكدت أنه بعد المراجعة الشهرية للأسعار، فقد تقرر تعديل أسعار المنتجات النفطية، وكشفت عن زيادة سعر البنزين إلى 620 جنيه بدلاً من 522 جنيه للتر، أما زيادة سعر الجازولين إلى 720 جنيه بدلاً من 672 جنيه للتر، مبينة أنها تشمل قيمة رسم الولاية المقدرة بنحو جنيهين فقط للتر، وقطعت الوزارة عبر بيانها أن تسعيرة ولاية الخرطوم ستكون مرجعية لكافة ولايات السودان المختلفة، وأوضحت أن التسعير يجري على متوسط أسعار النفط العالمية حسب تاريخ التسعير.. وبدورها تؤكد الوزارة التزامها بالخط الخدمي لمصلحة المواطن بالإضافة إلى توفير المنتجات النفطية بصورة مستقرة في السوق المحلية.

تطبيق التسعيرة
وكانت محطات الوقود طبقاً لتنفيذ الزيادة على أسعار الوقود الجديدة، أوضح متعاملون أن الزيادة نسبة للتعديل العالمي مما نتج عنه مراجعة أسعار الوقود في السودان لمواكبة السعر العالمي للوقود، مؤكدين زيادة التسعيرة في الوقود ستحد من الطلب وبالتالي تقلل من الاستهلاك عكس فترة انخفاضه في الفترة الماضية، كما عزا عامل بمحطة وقود جنوب الخرطوم، فضل حجب اسمه هذه الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود إلى الأسعار العالمية وبالتالى أدت إلى تعديل أسعاره داخلياً عبر محطات الوقود، مؤكداً في حديثه لـ(اليوم التالي) بدء العمل بالأسعار الجديدة التي جرى تعديلها منذ أمس الأول، مبدياً قلقه من حدوث تأثيرات أخرى في معاش الناس على صعيد الاحتياجات اليومية، وزاد قائلاً: ستؤدي هذه الزيادة لمزيد من التراجع خاصة في البيع الأمر الذي سيقلل من حجم إيرادات الوقود لدى وزارة المالية.

سلعة استراتيجية
الخبير في مجال النفط جماع إسحاق قال إن أسعار الوقود في البلاد أصبحت مرتبطة بالأسعار العالمية، وقال في تصريح لـ(اليوم التالي) إنه من ناحية الأسعار فهو قرار يصدر من قبل وزارة المالية بيد أن وزارة الطاقة والنفط في جمبع القرارات التي تقع على عاتقها فنية في إطار الإشراف على الجودة والتوزيع وغيرها، وأبان أن الوقود سلعة استراتيجية ويمتد تأثيرها ليشمل مجالات الصناعة والتجارة والزراعة والنقل والخدمات وبالتالي فإن تأثيراتها ستكون واضحة المعالم.

الرسم الضريبي
فيما أقرّ وكيل شركة استيراد الوقود فضل عدم ذكر اسمه بأن زيادة أسعار الوقود في البلاد نسبة لارتفاع الأسعار العالمية للمواد البترولية، وكشف عن وصول سعر البرميل عالمياً إلى 106 دولار أمريكي، وعزا استمرار الحكومة على فرضها رسوم ضريبة القيمة المضافة المتمثلة في 17% بجانب رسم 3% للجمارك السودانية، وقال لـ(اليوم التالي) إن الحل موجود لدى الحكومة رهن تنازلها عن الرسم الضريبي طالما رفعت الدعم عنه، وأضاف: هذه الزيادات ستؤثر على مجمل الأوضاع الاقتصادية، مستبعداً حدوث أي ندرة في المشتقات النفطية، بل ستنعكس سلباً على ضعف الاستهلاك بما يؤدي إلى قلة الإيرادات وبالتالي كل هذه مؤشرات ستؤثر على معيشة المواطنين.

تعقيد المشهد
بينما يعتبر عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير كمال كرار أن زيادة أسعار الوقود الجديدة لها عدة أسباب منها استمرار تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي في الاتفاق الموقع مع حكومة السودان وبما فية مراقبة الأداء الذي يشمل رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية الخبز والكهرباء والأدوية، ويرى عبر تصريح لـ(اليوم التالي) أن هناك التزام بتنفيذ البرنامج كاستجابة للشروط بغض النظر عن التكلفة فإن الزيادة أصبحت مفروضة على الميزانية، ولفت إلى أن الميزانية مصادر تمويلها من الضرائب وزيادة أسعار الوقود، ويشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد بدأت تشهد تحولاً وماضية نحو الركود والكساد الاقتصادي الدائم – على حد قوله ـ منوهاً إلى أن هذه الزيادة الجديدة في أسعار الوقود ستضاعف كثيراً على معاش الناس، وأوضح أن قضية تحرير الوقود من خلال السياسة الاقتصادية التي يتبناها السودان تقود إلى مزيد من التباطؤ في العملية الإنتاجية وقلة الصادرات وجلب الواردات وبالتالي كل هذا يعقد من المشهد الاقتصادي بشكل كبير.

معادلة عالمية
المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان يرى أن زيادة أسعار الوقود من فترة لأخرى شيء متوقع نتيجة لأسعار الخام في السوق العالمية، وأرجع ذلك نتيجة لقيام الحكومة الانتقالية بتحرير أسعار الوقود لجعلها تحت معادلة لأسعار السوق العالمية من ناحية تصاعد وانخفاض الأسعار، ويستبعد د. الفاتح عبر إفادته لـ(اليوم التالي) ظهور تأثيرات سالبة في الوقت الراهن، إلا أنه أبدى قلقه لهذه الزيادة في الوقت الذي تشهد فيه البلاد عمليات حصاد للموسم الصيفي وكذلك بدء عمليات التحضير للموسم الشتوي، منوهاً إلى أنه قد تؤثر هذه الأسعار الجديدة في الوقود على ذلك.

الخرطوم: علي وقيع الله
صحيفة اليوم التالي