وليد شريف يكتب: مرضى يشتكون مستشفى الذرة (3)
كان المسلمون يتأهبون لفتح احدى بلاد الروم عندما جاءتهم الأنباء عن عظم جيش العدو وكثرة العدة والعتاد .. تواترت الأخبار عن الجيش الزاحف نحوهم وبدأت العيون تتجه إلى القائد لمعرفة رأيه وما يخطط له، دخل القادة على سيف الله المسلول (خالد بن الوليد) وإذا بهم يرونه متكئاً ينظر إلى إصابة لحقت قدم فرسه الذي يناديه بـ (الأشقر) وقفوا بين يديه وأخبروه بما تنامي إلى علمهم من الأخبار وهو يستمع بصمت، إلى أن انتهوا من حديثهم، فما زاد على أن ربت على رأس فرسه وهو يقول: (ليت الأشقر يشفى من عرجه يومها، ويُضعف الروم في العدد؟).. خالد بن الوليد الذي لم يُهزم في معركةٍ قادها، يلقي إلينا بأحد أسرار نصره وتميزه وهو أن نهتم ببيئة وثبات الداخل فهو السلاح الفتاك للتغلب على العدو الخارجي، أي قبل أن نبحث عن الحل في مكان آخر.. فالتاريخ يقول معظم مَنْ سقط في معركة الحياة كان سقوطه داخلياً قبل أن يكون خارجياً، وقد أتته النكسة من داخله لا خارجه، لكن قليلاً منا مَنْ يعترف بهذا الأمر ويتعلم منه.
• بمستشفى الذرة لم يكن (الأشقر) بخير بعد القرار الكارثي رقم (33) لـ د. محمد إبراهيم مدير الطب العلاجي والوقائي بصحة ولاية الخرطوم بتاريخ 23/8/ 2022م بتكليف د. أحمد عمر مديراً عاماً لمستشفى الذرة الخرطوم، أو قرار إعادة تجريب الفاشل، ويحفظ له تاريخ المستشفى كيف رفض حينها تسليم المدير الجديد دفة الإدارة بالتي هي أحسن إلا بعد الشديد القوي، فهو ليس من فئة جاءت إليها المناصب تجرجر أذيالها، أي نقيض ما قاله مشهور أبو العتاهية في الخليفة المهدي عند تنسمه عرش الخلافة:
أتته الخلافة منقادةٌ
إليه تجرجر أذيالها
ولم تك تصلح إلا له
ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحدٌ غيره
لزلزلتِ الأرض زلزالها
(الأشقر) في الذرة ليس بخير والمدير الجديد تعييناً والمقال قديماً يبدأ (وفي أشهر قليلة لتنسمه المنصب).. يبدأ بتسميم بيئة العمل وتأجيج صراعات داخلية، واستنفار طاقات مهدرة كانت مشكلات مريض الذرة أولى بها (مشكلة جرعات العلاج الكيميائي المعدومة.. مشكلة الأجهزة المعطلة.. مشكلة المصاعد المعطلة والمرضى يحملون على أكتاف ذويهم إلى الطابق العاشر لتلقي جرعات العلاج في مشهد دامٍ وموجع)… الغريب أن المشكلات والصراعات المؤذية والمؤثرة على مرضى السرطانات لم تصل فقط إلى مسامع وزارة صحة ولاية الخرطوم، بل وصلت إلى كنف وردهات المكاتب في شكل شكاوى، والمظالم رفعت إلى د. محمود القائم مدير عام وزارة صحة ولاية الخرطوم.. تمتحن عدله وترجو إنصافاً يُسأل عنه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَنْ أتى الله بقلبٍ سليم.
(الأشقر) ليس بخير في الذرة، والمدير الجديد أعلن مبكراً منهجه الإداري العقيم المفلس لقيادة المستشفى.. بدأ (طبعاً بأسباب كيدية) بإبعاد د. بت المنى حامد عن رئاسة قسم الصيدلة.. د. بت المنى حامد في الدرجة الأولى.. مؤسسة القسم وصاحبة اليد العليا في تطويره.. خبرة أكثر من (30) عاماً.. هي من الكوادر المهمة والعريقة والقديمة التي ساهمت كثيراً في حل مشكلات الادوية الكيميائية للجرعات السرطانية، غير دورها مع شركات الادوية الكبرى والعالمية والمحلية في دعم وتطوير أدوية السرطان، فقد أجرت معها شراكات وتفاهمات، وهذه الشركات كانت تساهم بقوة في توفير الدعم اللوجستي والمالي للذرة ومرضى الذرة.. د. بت المنى حامد معروف عنها أنها ميسورة الحال، وقد رفضت عروض عمل مغرية ومجزية خارج وداخل السودان، وظلت وفية للذرة ومرضى الأورام والسرطانات، ولهم معها حكاوى ومواقف إنسانية لا يعلمها مَنْ ران على قلبه منهج ذوي العاهات وقدم أهواء النفس على سلامة وصفاء الحس، والمفاجأة كانت من كبار صيادلة القسم.. فبعد قرار إقالتها وفي شرف رفض كبار الصيادلة وفاءً لمسيرتها ومهنيتها استلام رئاسة قسم الصيدلة، لم يجد المدير الجديد تعييناً والمقال قديماً ضالته إلا في الأقل كفاءة ودرجة من د. بت المنى حامد.. ولكنها تتمتع بأنها الأكثر طوعاً في تمرير سياسة المدير الجديد الفاشلة.. فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويلٌ لهم مما يكسبون.
ما يجعل الأسى ينحر القلوب ويُعجّل بمحن الحياة وبؤسها هو رؤية أهل الذرة وفي كل صباح جديد لواحدة من رموزها العريقة كحال د. بت المنى حامد وهي تجوب ردهات وزارة الصحة ولاية الخرطوم بعد أن أعياها شدة الكيد والظلم.. رفعت شكوى وتظلماً ضد المدير الجديد تعييناً والمقال قديماً.. الشكوى لمدير عام وزارة الصحة ولاية الخرطوم د. محمود القائم.. د. بت المنى حامد تبحث عدلاً وإنصافاً، ونحن في يقين تام بأن الله سبحانه وتعالى سينصفها.. فكم أنصفت وطبطبت على آلاف المرضى والمرافقين.. وكم كانت روضاً أغن بالزهرات لمرضى الذرة المحتاجين المنكوبين.
(الأشقر) ليس بخير في الذرة، وفضيحة زلزلت كيان المستشفى وصل صداها إلى مكتب د. محمد إبراهيم مدير الطب العلاجي والوقائي، قام بها المدير الجديد تعييناً والمقال قديماً لفشله، فضيحة ما حدث بقسم الطب النووي.. فضيحة إقالة رئيس القسم الرجل الزاهد د. الطيب وقيع الله، ورفض في شرف (13) من أفراد القسم هذا القرار التعسفي الكيدي غير المسؤول من قبل المدير الجديد الذي جاء لعمل كل شيء إلا مصلحة المريض والمستشفى، طبعاً تم إيقافهم (كحال كل طاغية)، وبعدها توقف القسم الحساس تماماً عن تقديم الخدمة لمرضى السرطانات المحتاجين.. توقف لأكثر من شهر كامل والمرضى يرفعون أياديهم للسماء بعد أن ضاقت بهم الأرض والدنيا.
د. الطيب وقيع الله من المؤسسين للقسم، وتدرج من تقني طب نووي حتى وصل إلى درجة الدكتوراة وإلى وصفه الوظيفي الآن.. هو صاحب وظيفة ثابتة بالمستشفى وفي درجة علمية رفيعة وبخبرة أعوام طويلة متراكمة فاح شذاها على المستشفى والمرضى، تخيلوا في زمن المهازل والإدارات الزائفة، جاء المدير الجديد تعييناً والمقال قديماً (لفشله الذريع)، جاء في محل هذا العالم الجليل بآخر متعاون مع الذرة (ليس لديه وظيفة ثابتة في المستشفى ولا خبرة ومكانة العالم الجليل د. الطيب وقيع الله)… وأدى هذا إلى توقف القسم الحساس.. أي توقف العلاج والتشخيص والفحوصات لمرضى السرطانات لأكثر من شهر كامل، والغريب في الأمر أن هذا القرار الفردي والأضرار الجسيمة التي خلفها لم يعقبه (مجلس تحقيق عاجل) من قبل وزارة صحة ولاية الخرطوم لمدير المستشفى المنقوص الرؤية الشحيح المنهج.. والسؤال الذي يؤرق الأذهان الآن: أليس في وزارة صحة الخرطوم رجل رشيد؟.. وللحديث بقية أشياء وأشياء.. إن كان في العمر إيعاز بنبض البقاء.
• وفي الختام حتى الملتقى أعزائي القراء، أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال، حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء.
صحيفة الانتباهة