مقالات متنوعة

سراج الدين مصطفى يكتب : مؤسسات سودانية مبدعة


في كثير من الأحوال والأحيان أكون في منتهى الصدق والشفافية والحيادية.. وهي صفات مفترضة وواجبة في الكاتب الصحفي .. ولعل بعض الناس يعتقد وبكامل الاعتقاد أن النقد هو إظهار الجوانب السلبية والتغاضي عن الجوانب الإيجابية .. وفي ذلك الفهم المتعسر إعلاء القبح على الجمال .. وهو النظر للنصف الفارغ من الكوب.. لذلك لا تجدني أتورع في القول (على سبيل المثال) إن مجمعات الجمهور الخاصة بالأحوال الشخصية هي واحدة من حسنات حكومة عمر البشير.. فهي تقدم خدمة راقية وفيها مجهود كبير.. وتختصر الكثير من الزمن والمجهود.. ولكن البعض يرى أن قول ذلك يعني دخولك مباشرة في التصنيف بأنك (كوز) وما إلى ذلك من تصنيفات سياسية فيها الكثير من الظلم.. وبمثلما أشدنا بمجمعات الجمهور كمؤسسات وطنية.. يجب الإشادة ببنك فيصل الإسلامي فرع شارع محمد نجيب.. لأن الداخل للمكان ينبهر أولاً بمستوى الترتيب والنظافة في المكان والترتيب العالي للمكان من حيث خدمة الجمهور وهم على كراسي الانتظار.. حيث تمضي المعاملات بسلاسة ورشاقة.. وأكثر ما أثار إعجابي تطبيق موظفي البنك لشعار (الابتسامة) وهي مدخل حميم في التعامل الإنساني المتقدم والمتحضر.. دخلت ذلك الفرع لإنجاز معاملة خلتها تستغرق وقتاً طويلاً بسبب تعقيداتها، ولكنني وجدت تعاونا كبيرا من الموظفين وعلى رأسهم مدير الفرع الأخ الأستاذ محمد عبد الكريم والذي يمثل هو وموظفوه عنوانا للرقي والتحضر والقدرة العالية على إنجاز المعاملات البنكية بكل حب.. وأشدد على كلمة (بكل حب).. لأنهم يمنحونك إحساسا دافئا بأنك أهم شخص في العالم، لأن كل البنك يقف على (فد رجل) لخدمتك.. ولو كنت مسؤولاً من إدارة بنك فيصل لكتبت لهم شهادة جودتها ووشيتها بطلاء من الذهب الخالص.. وهم بالفعل يستحقون الثناء.. وما أحوجنا في هذا التوقيت بالذات أن نؤشر على المؤسسات الوطنية المبدعة والملهمة.
عبد الرحمن الريح.. محاولة للمراجعة والتأمل!!
لم يتوقف الناس كثيراً عنده.. ولم يتأمل النقاد سيرته جيداً، حيث نجد أن عبد الرحمن الريح بدأ بأغان ذات نمط جديد (انا سهران يا ليل، خداري، جاني طيفه طايف)، بعد ان تحرى المواضيع البسيطة المباشرة والأحداث المختلفة منقولة إلى الناس والمشاعر المألوفة والمترجمة بنبرة الحقيبة، وبالتالي القريبة من الحياة العادية بما يكفي لتجد صدى عند الجمهور الأقل تجاوباً مع التحولات الفنية، واتخذت الصيغة البسيطة وادخل فيها الغناء الجميل خلسة كظاهرة باذخة مخصصة للمتذوقين، بل كتسلية ديمقراطية مبسطة، ولذا نجد أن كرومة عندما كان يغني في احدى الحفلات طلبت منه الجماهير ان يغني ثلاث أغنيات وكانت جميعها من كلمات وألحان عبد الرحمن الريح فغناها لان رغبة الجماهير هي الغالبة وقد تقبلتها بفرحة وسعادة، الأغاني هى التي بدأ بها مشواره الفني (خداري، انا سهران يا ليل)… فالفن الجيد يصل بسرعة الى القلوب ..
وهذا إن دل على شيء انما يدل على ان شاعرنا الكبير بدأ بداية طيبة قوية استطاع من خلالها ان يزرع رنة جديدة للجمال في جسد الاغنية السودانية ، فصال وجال مغامراً من أجل الجملة اللحنية والشكل اللحني والكلمة الهادفة وحافظ على روح الغناء السوداني وإيقاعاته مع لمس الحس الشعبي.
كان التم تم ثورة فنية ونقطة تحول في الأغنية السودانية، انتقلت به من الايقاع البطئ الى الايقاع الأسرع.. وكانت الناس مهوسة به، فقدم ما رددته الجماهير ومن بينها (لي زمن بنادي وخداري) وقد استطاع عبد الرحمن الريح بحق وبشكل ملموس وواضح في تشكيل ذوق المجتمع السوداني وفي السنوات التي نصاعد فيها الكفاح الشعبي عموماً والنضال في صفوف الطبقة العاملة بصفة خاصة سنوات الحرب العالمية الثانية ظهرت أغان تتناول القضايا الملحة للجماهير الشعبية فقدم أغنية رجال الحدود. وقد غناها الفنان الكبير سرور، وأيضاً عندما أشعل مؤتمر الخريجين العام نار الوطنية انعكس هذا الشعور الوطني على الأدب والفن، فكان عبد الرحمن الريح يبث الروح الوطنية عبر طريقة شعره واغانيه واستمر على هذا المنوال حتلى غادر الاستعمار البغيض البلاد.

صحيفة الصيحة