مقالات متنوعة

السحر والرقية، وقصة هاروت وماروت


لاخلاف بأن السحر حقيقة ثابتة بنص قرآني وبالأحاديث النبوية الشريفة، وهو علم يمكن تعلمه وتعليمه، ولكن يكفر من يمتهنه ويعمل به، وبه يمكن التفريق بين الزوجين، وبه يمكن الاضرار بالناس إذا شاء الله.
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)} البقرة.
سبب نزول هذه الآيات الكريمة أنّ اليهود في المدينة سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السحر عندما سمعوا بذكر سيدنا سليمان عليه السلام في القرآن، وقالوا إنّ محمدًا يدّعي أنّ ابن داوود كان نبيًا وهم لا يرونه كذلك، بل هو برأيهم ساحرٌ سخر الجن والشياطين لخدمته، فنزلت هذه الآية لتكذب أقوالهم ولتبرئ سليمان بن داوود عليهما السلام مما ينسبونه إليه من تهم وافتراءات.
أما (هاروت وماروت) فهما ملكين -بفتح اللام والكاف- كريمين، وقد ورد بأنه عندما نبذ اليهود كتابهم واتجهوا إلى السحر والشعوذة في زمن الملك سليمان عليه السلام؛ كانت الشياطين تعاونهم على السحر، فتصعد إلى السماء الدنيا وتسترق السمعَ لتنقل أخبار الملائكة وأحاديثهم إلى الكهنَة الذين يزعمون أنهم يعلمون الغيبَ فيُخبرونهم بماسمعوه، ثمّ يقوم الكهنة بإدخال ذلك في أخبارهم وتدوينها في كتبهم ويقرأونها ويعلّمونها للناس، وساد بينهم أنّ الجن والشياطين تعلم الغيب، وزعموا أيضا بأنّ علم سليمان لا يكتمل إلا بما يأتون به.
وقتها أنزل الله الملكين هاروت وماروت في أرض بابل ليعلما الناس السحر لأسباب أهمّها فضح وكسر احتكار الكهنة للعلم، وقد كانا ابتلاء من الله لهم.
وكان هاروت وماروت عندما يعلمان أحدا عِلمهما ينصحانه بأنهما ابتلاء من الله، وإنّ من يتعلم علمهما ويعتقده ويعمل به فإنه كافر يخسر آخرته، ومن يتعلَّمه ولا يمارسه ثم يتوفاه الله ثابتًا على الإيمان يجزيه الله بصبره على المعصية، فتعلّم الناس السحر من هاروت وماروت، وكان مما فيه القدرة على التفريق بين الزوجين ولكن بإذن الله، وكان في سحرهم إضرار بالناس، اذ يتعلّم الناس ما يضرهم ويضر غيرهم، ولا ينفعهم بشيء في الآخرة، ولكن لا يستطيعون الاضرار بأحد إلا بإذن الله لأن السحر لا يؤثر بنفسه، بل بأمر الله ومشيئته.
ومعلوم أن نبينا عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام قد أصيب بالسحر كما ثبت في الحديث الصحيح، حيث ورد بأنه عندما استقر الوحي واستقرت الرسالة في المدينة، وقامت دلائل النبوة وصدق الرسالة ونصر الله نبيه على المشركين وأذلهم، تعرض لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم شخص من اليهود يدعى لبيد بن الأعصم، فعمل له سحرًا في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر النخل، فصار يخيل إليه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه فعل بعض الشيء مع أهله ولم يفعله، لكن لم يزل بحمد الله تعالى عقله وشعوره وتمييزه معه فيما يحدِّث به الناس، ويكلم الناس بالحق الذي أوحاه الله إليه، لكنه أحس بشيء أثر عليه بعض الأثر مع نسائه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: إنه كان يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء في البيت مع أهله -وهو لم يفعله-، فجاءه الوحي من ربه تعالى بواسطة جبرائيل عليه السلام فأخبره بما وقع، فبعث من استخرج ذلك الشيء من بئر لأحد الأنصار فأتلفه وزال عنه بحمد الله تعالى مابه، وأنزل عليه سبحانه سورتي المعوذتين فقرأهما وزال عنه كل بلاء وقال عليه الصلاة والسلام: ما تعوذ المتعوذون بمثلهما.
ولقد ورد في الصحاح بأن سورة البقرة من أغنى السور التي تبطل السحر بما حوته من ايات ابطال السحر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)، موضحًا بأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) أي لا يقدر عليها السحرة ولا الشياطين.
وعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: (لَا تَجْعَلُوا بيوتكم قبورا فإن البيت الذي تقرأ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ). قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وهناك من الأحاديث الصحيحة ماحذر فيها نبينا عليه وعلى آله الصلاة والسلام من السحر تحذيراً شديد اللهجة، كما جاء في حديثه الشريف: (اجتنبوا السبْع الموبقات، قالوا ماهي يا رسول الل؟ قال: (الشرك بالله، والسِّحر…).
ولقد بيّن الله تعالى في آيات سورة البقرة المذكورة أعلاه عدم إمكانية وقوع السحر وأي أمرٍ إلّا بإذن الله سبحانه وتعالى وبقضائه وقدره، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولكن ان وقع السحر -ان كان سحر تفريق بين زوجين، او سحر تعطيل لزواج، أو سحر وهن للجسم والمرض غير العضوي، أو سحر عدم التوفيق في كل أمور العبد- فإن فك السحر لايحتاج الى الذهاب إلى شيخ او سواه، انما يمكننا فرادى وبكل يسر فعل الآتي، ولكن مع (اليقين التام) بأن الله هو النافع والقادر على ازالة الضرر، والقادر على كل فعل كل شيء.
أولا:
قراءة الآيات الخمس الأول من سورة البقرة.
ثانيا:
قراءة الآيتين 103,102 من ذات سورة البقرة وهي التي ورد فيها اسم هاروت وماروت.
ثالثا:
قراءة آية الكرسي.
رابعا:
قراءة خواتيم سورة البقرة بدءا من {لله مافي السموات ومافي في الأرض وان تبدوا…} 284-286.
خامسا:
قراءة الفاتحة والمعوذات والاخلاص.
سادسا:
قراءة الآية
ال81 من سورة يونس وتحوي رد موسى عليه السلام على السحرة عندما ألقوا حبالهم: {…مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}، ويفضل ترديد قراءتها ثلاث مرات أو سبعا.
انتهى.
ويمكن قراءة الفاتحة والمعوذات أيضا ومعها آية الكرسي للتحصين والوقاية عندما نرى او يلج إلى البيت من يجمع الناس بأنه معيان (عينو حارة)، يسر بها صاحب الدار أو المكان دون ان يشعر بذلك المعيان، فإنه بفضل الله تكون مانعة للسحر والعين والله أعلم.
هذا مايقرأ من آي القران الكريم إلا إذا أحب العبد الاستزادة فليقرأ ماشاء دون تحديد آيات وردت في شأن السحر أو نزع الملك أو وهبه أو غير ذلك، وعن عدد المرات التي يتم تكرار القراءة فليس هناك عدد محدد لذلك، ولكن كلما زيد في تكرارها كان ذلك أفضل، ويستلزم الأمر أن يكون المرء على طهارة، وأن لايكون في مكان فيه قذارة أو مكان تمارس او توجد فيه معصية او لوازمها.
سادسا:
يتناول/يأكل المسلم سبع تمرات من تمر العجوة، وليس بالضرورة أن تكون من تمر المدينة المنورة، اذ في التمر كفاية من السحر والسم بإذن الله، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سمّ ولا سحر) متفق عليه.
سابعا:
خلال المداومة على الرقية وفي كل حال، يحافظ المسحور على صلاته وقراءة القرآن، والذكر والاستغفار، ويكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وقول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقول (يالطيف) وتكرارها.
ثامنا:
هناك أدعية وردت في الصحاح يحسن ترديدها، ومنها دعاء الكرب.
(1) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحا. قالوا: يارسول الله ينبغي لنا أن تعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: “أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن”).
(2) دعاء ذي النون عليه السلام وهو في بطن الحوت، فقد أخرج أحمد عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
(3) دعاء:
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما يلج في الأرض، ومن شر مايخرج منها، ومن شر طوارق الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن.
تاسعا:
يلتزم المرء بأن يستر عورته خلال الرقية، فالعري من أكبر مداخل الشيطان إلى الانسان.
عاشرا:
ورد أن الحجامة لها أثرها المجرب على المسحور (سحر وهن الجسد)، ولكن ينبغي التأكد بأنه لايشكو من نقص في دمه أو أي مرض عضوي.
أحد عشر:
إخراج الصدقات للمحتاجين لها، اذ في ذلك نفع عظيم بإذن الله، لكونه يغيظ الشيطان ويؤثر سلبا على السحر وفاعله.
اثنا عشر:
بر الوالدين وطلب رضاهما ان كانا أحياء والدعاء لهما إن كانا في الأموات، وكذلك الأجداد، وطلب الدعاء منهما إن كانا من الأحياء.
أسأل الله ان يبطل السحر ولايجعل لساحر ولامعيان سلطانا على مسلم.
تنويه:
أسأل الله الرحمة والمغفرة لجدي محمد الحسن حاجنور، فقد تعلمت منه الكثير ماكتبته أعلاه، اللهم افتح له في مرقده بابا من الجنة لايسد.

عادل عسوم
صحيفة المرصد