الفريق الركن إبراهيم الرشيد يكتب: احموا الديمقراطية من الساسة
اكبر مهدد للديمقراطية هم الساسة اهل النفاق والكذب والمصالح. لم يكن الساسة في عهد من العهود قلوبهم على الوطن ومصالح الشعب، بل كانوا على مر العهود والي يومنا هذا قلوبهم على احزابهم وايدلوجياتهم ومحاصصاتهم.
يعشق الساسة الحكم ويعملون على الوصول اليه حتى ولو على ظهر دبابة مستقلين عناصرهم داخل المؤسسة العسكرية.
يتحدث الناس عن حماية الديمقراطية ويتهمون القوات المسلحة بانها المهدد الرئيس للديمقراطية.
ما جلس سياسي خلف جهاز اعلامي،وما كتب كاتب او صحفي عن حماية الديمقراطية الا كال الاتهامات على القوات المسلحة بانها هي المهدد الرئيس للديمقراطية. حتى اصبح شباب اليوم الذين لا المام لهم بتفاصيل وصول الانظمة المختلفة للحكم في السودان، يعتقدون ان القوات المسلحة كمؤسسة هي التي كانت تحكم، وهم يطالبون الساسة باعادة هيكلتها والبعض ينادي بتصفيتها!!
الاسبوع الماضي تسأل مقدمة البرنامج في احدى الفضائيات السودانية، تسأل ضيفتها عن دور القوات المسلحة في حماية الديمقراطية،وتجيب الضيفة وهي صحفية كبيرة، بأن المهدد الرئيس للديمقراطية هي القوات المسلحة ذاكرة انها حكمت خمسة واربعون عاماً، وتضيف قائلة، فكيف تكون حامية للديمقراطية؟؟
مثل هذا القول أما ان يكون صاحبه جاهل بمن كان وراء تلك الانظمة التي حكمت خمسة وأربعون عاماً، أو يكون من السياسيين أهل النفاق والمصالح، أو يكون له ضغينة او غرض في نفسه.
اذا استثنينا فترة حكم الرئيس عبود (الزمن الجميل) والتي كانت عبارة عن تسليم وتسلم فرض على القائد العام تحت ضغط الحزب الحاكم وقتها ورئيس الوزراء عندما لم يتحملوا مطالب الديمقراطية وخشيوا من هزيمة خصمهم لهم فسلموا الحكم للقوات المسلحة، اذا استثنيا تلك الفترة يبقى الخمسة واربعون عاماً التي يتهمون بها القوات المسلحة هي فترة حكم مايو وفترة حكم الانقاذ. ولكن من الذي دبر وخطط تلك الانقلابات وصولاً للحكم؟؟
وهل كانت القوات المسلحة كمؤسسة من مؤسسات الدولة بقيادتها هي التي استولت على السلطة؟
ومن الأكثر تضرراً من تلك الانقلابات بين مؤسسات الدولة؟
وفي ذلك نقول، انقلاب مايو ما كان يمكن ان يتم لو كان السياسيون بعد وصولهم للحكم في اكتوبر 64 تحت حماية القوات المسلحة، ما كان له ان يتم لو كان الساسيون حريصون على الديمقراطية متمسكين بتطبيقها، ولكن النفاق والصراع بينهم ادى الى طرد نواب الحزب الشيوعي المنتخبون من البرلمان ولم يستجيب البرلمان والحكومة لحكم المحكمة الدستورية باعادة نواب الحزب الشيوعي. وقتها بدأ التآمر على الديمقراطية من مجموعة الاحزاب اليسارية مستغلين عناصرهم داخل القوات المسلحة فوصلوا للحكم على ظهر الدبابات وهم وليست القوات المسلحة من كان يهتف ويغني انت يا مايو الخلاص والتطهير واجب وطني، ولمن للديمقراطية !! ونشق اعداؤنا عرضاً وطول،ولمن للساسة!! فحكموا تحت هذه الشعارات وبدأوا بتطهير القوات المسلحة وتم طرد كل القادة الاقدم رتبة من قائد الانقلاب وكان في رتبة العقيد.
كم هائل من العمداء واللواءات وضباط الركن من خريجي الكلية الحربية والمدرسة الحربية تمت احالتهم للمعاش، فكم تأذت القوات المسلحة القومية صاحبة التاريخ المشهود، بذلك الانقلاب اليساري السياسي بامتياز؟؟
لم يقف الصراع والتآمر بين السياسيين الذين قاموا بانقلاب مايو، بل وصل الامر والخلاف بينهم حد التآمر، فقامت حركة الرائد هاشم العطا التي كانت وبال عليهم من اخوتهم في سدة الحكم ووبال على القوات المسلحة التي فقدت من الجانبين خيار من قادتها وضباطها.
– فماذا حدث بعد ذلك؟؟
تآمرت احزاب اليمين والاحزاب التقليدية الأمة والاتحادي وقاموا بهجوم المرتزقة بعد قبولهم باليد السفلى ودعم ليبيا لهم، فهزموا،ثم عادوا فتصالحوا مع مايو وسندوه الى يوم سقوطه. انهم الساسة اهل النفاق!!
– خرج الشعب في ابريل 1985م يطالب بعودة الديمقراطية فانحازت له القوات المسلحة كمؤسسة تحت قيادتها وقاعدتها في موقف مشهود واسقطت نظام مايو وسلمت السلطة بعد عام واحد للاحزاب والساسة اهل النفاق والكذب، فماذا فعلوا بها؟؟
هل مارسوا الديمقراطية بحقوقها؟؟ وهل كان الوطن في ذاكرتهم؟؟
كلا، بل مارسوا نفاق السياسة بصراعاتها وخلافاتها للحصول على كسب رخيص، واهملوا القوات المسلحة حتى وصل التمرد على مشارف مصنع سكر كنانة وطريق كوستي الابيض. بل اصبحوا يتهكمون على القوات المسلحة ووصل الحد ببعض القوى السياسية الاحتفال والفرح عندما يسمعوا بسقوط حامية من الحاميات، الشيء الذي جعل قيادة القوات المسلحة ترفع المذكرة الشهيرة لقيادة الدولة بما وصلت اليه القوات المسلحة من شح في الاحتياجات وما وصل الوضع الامني من تردي. ألم يكن في مقدور القوات المسلحة الانقلاب على الديمقراطية والاستيلاء على السلطة؟؟ ولكن مارست القوات المسلحة اسلوب مخاطبة السلطة باسلوب حضاري،والسلطة كانت تعلم أن هنالك من السياسيين من كان يتآمر على الديمقراطية ويخطط للاستيلاء على السلطة من خلال انقلاب عسكري.
– لم يكن المشهد يوم 30 يونيو 1989م مفاجئاً بل كان الانقلاب متوقعاً ولكن كانت المفاجأة ان من قام بالانقلاب وخطط له ونفذه مستغلاً عناصرة داخل القوات المسلحة وقواعده المنظمة على امتداد الشارع السياسي، هم من مكونات حزب سياسي مشارك اعضاءه في البرلمان وقادته في اجهزة الحكم. لم تدافع القوات المسلحة عن الديمقراطية التي نعاها الساسة من داخل البرلمان وهم يقولون عن الديمقراطية، لو جرها كلب لن تجد من يقول له جرّ، فهل من بعد ذلك قول؟؟
حكمت الجبهة القومية الاسلامية ثلاثون عاماً ببرامجها وشعاراتها وبطشها، فلم تكن البرامج وطنية او عسكرية ولم تكن الشعارات من ثقافة الادب العسكري.
وكان اكبر الداعمين لها الساسة على امتداد احزابهم بحثاً عن المصالح، وجميع رجال المال والاعمال بحثاً عن المكاسب.
ونقول للذين يتهمون القوات المسلحة بالمهدد للديمقراطية، عليكم ان تتبينوا ، راجعوا التاريخ السياسي وتمعنوا في مواقف القوات المسلحة عند كل ثورة قام بها الشعب.
ان الديمقراطية محتاجة للحماية من الساسة اهل النفاق والكذب والمصالح، تبينوا قول السياسي المخضرم الاتحادي المرحوم زين العابدين الهندي عندما قال من منصة برلمان الديمقراطية الثالة (إن الديمقراطية لو جرها كلب لن تجد من يقول له جرّ!!)
أو كما قال، وما أشبه اليوم بالبارحة!!
] المدير الأسبق لاكاديمية نميري العسكرية العليا
صحيفة الانتباهة