محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: ديسمبر الفرصة الأخيرة

(1)

لم اكن اعرف ان حبي لشهر ديسمبر سوف يكون له فيما بعد ما يبرره – وهو الشهر الذي انطلقت منه الثورة وهو الشهر الذي سميت عليه الثورة (ثورة ديسمبر المجيدة).
ايام وتواريخ ديسمبر مرتبطة دائماً بالوجدان السوداني 13 ديسمبر (الدمازين) – 19 ديسمبر (عطبرة) – 25 ديسمبر (الخرطوم).
قبل ذلك كان اعلان استقلال السودان من داخل البرلمان يوم 19 ديسمبر 1955م.
تظل كل ايام شهر ديسمبر ذات عبق له ارتباط وثيق باستقلال السودان.
السودانيون يحسنون وداع السنة اكثر من احسانهم لاستقبالها وهذا شيء له علاقة بالوفاء.
نحن مرتبطون بالتاريخ اكثر من ارتباطنا بالمستقبل .. كل احاديثنا عن الذكريات والماضي والأيام الخوالي (الذهبية).
الايام الجميلة عندنا هي الايام التى مضت – الايام القادمة دائماً نتوجس منها ونخشاها.
لا يصبح الفنان عندنا ذا قيمة ومكانة إلا اذا اصبح فناناً (كبيراً) ومخضرماً وصاحب تجربة عريضة.
زمننا الجميل في السياسة وفي الاقتصاد وفي الفن وفي الثقافة والرياضة كله في ايام مضت وانتهت.. ربما لم نشهدها حتى – لكن مع ذلك نحن اليها.
جيل ثورة ديسمبر استطاع ان يكسر تلك القناعات .. استطاع ان يجعل الرهان على المستقبل مع كل (الهواجس والظنون) افضل من الرهان على الماضي.
الغد اجمل – حتى وان كان ذلك من خلال امكانية الاحلام والآمال .. انت لا تحلم بالماضي .. انت تحلم بما هو قادم ، تحلم بالمستقبل – لماذا لا نحلم بسودان اجمل؟
وطن يسع الجميع.
وطن لا تكون كل صراعاته وأزماته حول (كرسي السلطة).
الشجرة المحرمة عندنا ممثلة في (كرسي السلطة) لماذا تتصارعون حولها.
ازمتنا ازمة سلطة … لا ازمة شعب.. الحكومات السودانية كانت عبارة عن انقلابات عسكرية وحكومات شمولية ودكتاتورية.
الشعب السوداني منحنا ثلاث ثورات شعبية من اجل الحكم المدني والسلطة الديمقراطية.
ماذا يفعل الشعب السوداني اكثر من ذلك؟
(2)

منذ ان كنت اسعى حول (الراديو) وهو في صدر أبي.. كان شهر ديسمبر يعني عندي اغنيات حسن الخليفة العطبراوي (الوطنية) واغنيات محمد وردي عن (الاستقلال) وعن الثورات.
ينبعث ذلك الصوت في الطرقات بكل الدفء.
ثورة ديسمبر خصم منها الكثير لأنها لم يتغن لها محمد وردي – مع ذلك اغنيات وردي لثورة اكتوبر وثورة ابريل كانت حاضرة في ثورة ديسمبر.
شوارعنا اثمرت (قناديل) و (مصابيح) وشباب مثل (الورد) بكلمات الفيتوري ومحمد المكي ابراهيم ومحيي الدين فارس والدوش ومحجوب شريف وهاشم صديق ومحمد الحسن سالم حميد وعبدالواحد عبدالله.
صباحاتنا اشرقت بكلماتهم ..وصوت وردي يردد (بتطلعي انتي من غابات ومن وديان ومني انا.. ومن صحية جروف النيل مع الموجة الصباحية.. ومن شهقة زهور عطشانة فوق احزانها متكية.. بتطلعي انتي من صوت طفلة وسط اللمة منسية).
نحن في انتظار الديسمبريين ليدهشونا بالمزيد.
(3)

(4) سنوات وما زالت الاطارات مشتعلة في الطرق – والتروس مضروبة في الشوارع.
(4) سنوات مضت.. ومازال الشعب السوداني يقدم في فلذات اكباده من اجل السلطة المدنية.
(4) سنوات .. امتلأت المعتقلات وثلاجات المشارح والقبور .. وما زالوا هم في الطرقات يواصلون كفاحهم ونضالهم بدون ملل او انكسار.
توالفوا مع الرصاص والغاز المسيل للدموع من اجل ان يحققوا الامال التى عاشوا من اجلها.
ننتظر ان تأتي ذكرى الاستقلال هذا العام بعد ان نكون قد حققنا استقلالنا من الحكومات العسكرية والشمولية.
رتبوا ثورتكم واوصلوا بها الى مرامى اهدافها في شهر ديسمبر هذا.
(4)

بغم
في ديسمبر سنعيدها (ثورتها) الاولى.
سنعبر وننتصر.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة