محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب.. الطموح والطحنية

(1)

هذه الواقعة اذكرها كثيراً، لأن فيها شيء من حسن الاستنباط وقراءة المستقبل.
عندما تقدم نجيب محفوظ لدراسة (الفلسفة) في كلية الاداب بجامعة القاهرة كان الاستاذ الذي قام بإجراء المعاينة للطالب نجيب محفوظ هو عميد الادب العربي طه حسين.. وقد كان في ذلك الوقت من شروط لالتحاق بالجامعة الى جانب النسبة التى يحققها الطالب ان يتم اجراء معاينة قبل التحاق الطالب بالكلية كما يحدث في التحاق الطلاب بالكلية الحربية.
اجاز طه حسين قرار قبول نجيب محفوظ بكلية الاداب قسم (الفلسفة) واثنى عليه، بعد ان قال له تعليقاً على اجاباته عن اسئلته : (انك تقول كلام غريب لذلك انت جدير بدراسة (الفلسفة) والقبول في كلية الاداب جامعة القاهرة).
الكلام الغريب دائماً هو دليل (فلسفة) – والفلسفة هي عمق الفكر وبعد الرؤى بما لا يتوفر للآخرين والعامة من الناس.
عندما تحاول ان تجعل ما هو غير منطقي امراً منطقياً فأنت بذلك تبحر في بحور الفلسفة.
تذكرت هذا الكلام، وأنا ارى تقلبات مبارك الفاضل وتنقلاته من موقف الى موقف حسب غلبة التيار وشدته – مبارك الفاضل مثل طائر (الوقواق) الذي لا يهتم برعاية صغاره، وهو يضع بيضه في عش طائر آخر ويتركه يفقس ليتولى الآخر رعايته.
هذا هو مبارك الفاضل (وقواق) السياسة.
كلما شاهدت او سمعت مبارك الفاضل او التوم هجو او مناوي او جبريل وهم يثرثرون بما لا يعلمون ويفتون فيما لا يفقهون ، اقول ان كل من يتحدث (كلام فارغ) يصلح لممارسة السياسة.
ومثلما يتاجر البعض في الجركانات والجولات (الفارغة) فان السياسيين يتاجرون في الكلام عندما يكون (فارغاً).
(2)

بعض السياسيين في السودان مشكلتنا معهم ناتجة من (طموحاتهم) – الطموح في السياسة يقودك احياناً الى حتفك.
قال رئيس مجلس السيادة الفريق اول عبدالفتاح البرهان في احدى حواراته ان والده رآه في المنام (رئيساً) – وهذا امر يفسر الطموح الذي ظل يسيطر على البرهان منذ ان دخل الكلية الحربية وهو يحمل اجنة (الانقلاب) في تكوينه العسكري ويبحث عن ان يكون رئيساً.
تصريحات البرهان الاخيرة تؤكد ان البرهان يوقع على الاتفاقات من اجل ان ينقلب عليها – الى هذا يقوده (الطموح) ان يظل رئيساً لا يشاركه في (الرئاسة) احد.
احد اهم المخاوف من نائب رئيس مجلس السيادة الفريق اول محمد حمدان دقلو (طموحاته) … لا شيء يقلق من حميدتي غير طموحاته .. فاحذروا طموحات حميدتي.
مبارك الفاضل (الطموح) قاده الى ان ينشق عن الامام الصادق المهدي ويخرج من جلبابه لكي يكون حزباً سياسياً عضويته لا تتجاوز عدد اعضاء مكتبه.
الرئيس المخلوع عمر البشير ابعد علي عثمان محمد طه من منصب (نائب الرئيس) خشية من طموحات طه التى صورت له وقتها انه الرئيس الفعلي للبلاد وان البشير مجرد (صورة) للرئيس في القصر الجمهوري .. وهو نفس الشعور الذي كان يسيطر على الدكتور حسن الترابي والذي كان سبباً لإطاحة البشير به من السلطة ليذهب الى (كوبر) مجبراً لا اختياراً كما حدث في بداية عهد الانقاذ.
(3)

الطموحات في كل مجال تقود الى الامام وهي امر مشروع وشيء ايجابي – لأن الانسان بدون طموح يبقى مثل (سلة البصل) التي اذا غبت عنها لبعض ايام وجدت ان بصلة واحدة فاسدة افسدت السلة كلها… الطموحات في السياسة تقوم على الغدر والانقلاب والتسلق والانتهازية والفساد.
طموحك السياسي يجعلك تفعل كل شيء وان كان ذلك ضد القانون وضد الاخلاق والإنسانية.
الى كل السياسيين تجردوا من طموحاتكم السياسية ..لأن الخطر على السودان يأتي منها.
لا توجد طموحات للوطن والعدالة والسلام والحرية.
تخلصوا من مطامعكم وأهدافكم الخاصة واعلموا ان هذه الحياة رحلة قصيرة محطات (الغدر) فيها تعيدك الى الوراء.
اذا لم تعتبروا من (كوبر) والبشير الذي كان يقول الامم المتحدة تحت (جزمتي دي) وهو يشير الى حذائه، اعتبروا من مقابر احمد شرفي ومقابر فاروق ومقابر البكري – طريقكم يمر بها في كل يوم.. يوماً ما سوف تستقرون في تلك (المقابر) التى تمرون بها.
احرصوا على ان تتركوا سيرة عطرة – لن يبقى منكم بعد حين غير سيرتكم فلا تفسدوها.
(4)

بغم
اما (الطحنية) فحديثي عنها سوف يكون في يوم اخر.. وانتم تعلمون.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة