محمد عبد الماجد

كل البلد مصطفى سيد أحمد ومحمود عبدالعزيز


(1)

· بعد ايام قليلة او في 17 يناير سوف تمر علينا ذكرى رحيل مصطفى سيد احمد ومحمود عبدالعزيز الذي رحل في نفس التاريخ الذي رحل فيه مصطفى.

· كأنهما ارادا ان يؤكدا (الحزن) على البلاد.. ليكون يوم 17 يناير هو يوم الحزن العالمي في السودان.

· مصطفى ومحمود.

· ويمكن ان نضيف لهم حال البلد واحزانها المستمرة.

· الكثير من الاحداث حدثت بعد رحيل مصطفى سيد احمد …ومازال (الحزن) معطلاً في هذه المحطة.

· لم نجرب بعدك ممارسة الفرح …لأن الفرح نفسه يدخل في استحياء من ان يمارس نشاطه.

· جمدت الافراح في النوادي وتوقف الاعضاء من دفع رسوم ان يفرحوا …وكتبت في جميع ابواب البيوت ..(حضرنا ولم نجدك).

· تمارس هواتفنا الجوالة… تمرداً غريباً… لم تنفك هواتفنا السيارة من ان تمدنا دائماً بهذا الاحباط … (لقد نفد رصيدك).

· ولا احد يقوم بفعل ايجابي واحد ..لا احد يغذي بطاقته…. او يشحن حتى بطارية جواله.

· ما هذا الذي يحدث… هل تمدد (الحزن) في نفوسنا الى هذا المد ؟… بلغ الرمق الاخير.

· ليتهم كانوا يعرفون ان يمثلوا مثلكم ..ان يضحكوا .. ولو كذباً …ان يبتسموا ولو ابتسامة صفراء … تماشى مع هذا الزمن الابتر.

· ضاقت … وضاقت … ولما استحكمت حلقاتها …(قلبت).

(2)

· نحن بعدهما وصلنا الى هذه المحطة …. ان يحدث انقلاب تلو انقلاب … لك هي اخر حلقة من هذا المسلسل التراجيدي الحزين.

· بعد ذلك سوف ندخل الى الجزء الثاني .. من احزان اخرى … احزان عبيطة .. سوف ندمنها وتدمننا .. ونوقع معاً اتفاقية لحزن طويل المدى.

· تسوية.

· او أي شيء اخر.

· وتستمر الاحزان.

(3)

· مسارح الخرطوم ونواديها هذه الايام .. لا يمارس فيها غير امسيات التأبين.

· لا شيء جديد يمكن ان نقف عنده …او نحتفي.

· انشطتنا … هي البكاء على ماض تليد.

· وما زال البكاء مستمراً.

· صلاح حاج سعيد … من اروع الشعراء الذين وضعوا للمسافة … (مسافة) في الاغنية السودانية.

· وهو نفسه الذي انار طريق الحزن بالنبل بعد ان كان وعراً ومظلماً ..لا يمكن السير فيه.

· الشجن الاليم … وتحرمني منك …. هذه اغان ساقت مصطفى سيد احمد الى مسافات بعيدة.

· ولقيتو واقف منتظر عند الطيب عبدالله … وما قلنا ليك عند محمد ميرغني .. ويا جميل يا راقي احساسك عند حسين شندي.

· صلاح حاج سعيد رحمة الله عليه …في هذا الموسم الحزين ..مازال يمنحنا حزناً نبيلاً … وان تعطل النبل في ظل استمرار الحزن.

· بفضل مصطفى سيد احمد انت تذكر الف منارة في الاغنية السودانية.

· يذكر مصطفى سيد احمد …فتذكر صلاح حاج سعيد …والحزن النبيل والمسافة ..وغيرها من اشراقات الوجد الجميل.

· ويذكر مصطفى سيد احمد …فتذكر محمد الحسن سالم حميد …ذلك الشاعر القديس ..الذي اهدى للاغنية السودانية اعظم (الفلسفات) الغنائية.

· يذكر مصطفى ..فيذكر قاسم ابوزيد ..ويحيى فضل الله وازهري محمد علي والقدال.

· مصطفى سيد احمد اظهر خاصية جديدة ومختلفة لشعراء اصحاب مدرسة جديدة.

· كان يصعب ان نفهم لولا ان مصطفى سيد احمد غنى لهم.

· كان يصعب علينا ذلك.

· لكن مصطفى سيد احمد اختصر ذلك.

· اختزل كل هذه المسافات …ودخل الى غرف قلوبنا الداخلية .. واقام فيها بصورة دائمة.

· اغنيات مصطفى سيد احمد كأنها تستخرج (حق اللجوء السياسي).

· كأنها تمنحك ذلك.

· اما محمود فهو (توطين) للحزن.

· الحزن بعده اصبح وطناً.

(4)

· هذا المساء …هل سوف تمارس حزناً اخر؟

· هوايته ..اضحت ممارسة الحزن.

· …طلب منها ان تمنحه رقم تلفونها.

· اعطته 091 وطلبت منه ان يجتهد في بقية الرقم.

· عنده مشكلة في اسنانه ..ومشكلة في البيت.

(5)

· في الماضي كانت (الصورة) تلعب دوراً اجتماعياً هاماً، وهي عنصر ضروري في العلاقات العاطفية… وتشكل (الصورة) دليل حب ..وشاهد اثبات.

· بمعنى ان (البنت) اذا اعطت صورتها للولد فان الصورة تبقى وثيقة حب ،وهي تدل على موافقة البنت على تبادل (الحب) مع الولد.

· لذا كان اي محب في الزمن الماضي ينتظر (صورة) من يحب ليطمئن قلبه ، وليرضي غروره ،واشواقه.

· هذه الوضعية وثقت لها الاغنية السودانية ،وثبتت مكانة (الصورة) في العاطفة ،والوجدان السوداني.

· محمد وردي غنى للحلنقي اغنية (توعدني وتبخل بالصورة)..

توعدنا وتبخل بالصورة

يا غنوتنا .. يا بهجتنا

ويا مسا عيونا المبهورة

ما نحــن بطبعنا ناس طيبيــن غلطاتك عنـــدنا مغفورة

· الاغنية هنا توثق للامتناع عن منح (الصورة).. وهذا شعور يعذب المحب كثيراً خاصة اذا كان موعوداً بان يمنح لها ،ويأتي البخل بعد ذلك.

· عبدالله البعيو كان صاحب اجمل النصوص التي تغنت بالامتناع عن الصورة والبخل بها.

انت صورتك ما أمانة كيف نفرط نحنا فيها

قلنا نلجأ لأمانها من شقا الأيام وتيها

مهما قلت واعتذرت غايتو إنت بخلت بيها

هاك بتذكارها شيلها صورتك الخائف عليها

· البخل بالصورة كان نتاج ثقافة سودانية وتقاليد اجتماعية تحرم ان تعطي بنت صورتها لولد ..هذا كان يحسب جرم كبير لا تسامح فيه.

· كانت الحروب العائلية تشتعل وتبدأ اذا وجدت اسرة ما صورة بنتها ..عند ولد..هذا يمكن ان يكون اعلاناً للحرب والموضوع ممكن يجيب ليه دم وطعن وسجن.

· لذلك كانت البنت تخشى ان تعطي صورتها لأحد وان كانت تحب ذلك الطرف..لكن هذا لا يكفل لها دستورياً ان تمنحه صورتها.

· البنت ان وجدت شجاعة في نفسها وأعطت صورتها لمن تحب نجد ان الولد نفسه يرتعش ويرجف ويخشى ان تضبط عنده (الصورة) كمحظورات..لذلك فهو يعمل على دس الصورة وتحويلها من مكان لمكان..لأن الصورة تلك لو ضبطها اهل الولد سوف (يقطعون رقبته).. ناهيك ان يضبطها معه اهل البنت.

· ما يهم ان الصورة كانت تحظى بمكانة كبيرة ومعزتها من معزة صاحبها.. والبعيو يعود ويثبت ذلك.

فيها إيه إنسان بعزك لما يحفظ ليك صورة

فيها قامتك وابتسامتك وسحر عينيك الخجولة

فيها راحة وفيها واحة كلما يتعب يزورها

فيها ما بيملاها عينو كيف يخلي عيون تطولها

· الصورة كانت تسد مكان الزول عندما يغيب .. وهي المستعان بها لسد الفراغات واختزال المسافات.

· في الاشتباكات العاطفية والخلافات …تأتي (الصورة) ضمن المردودات …واذا قال ليك زول رجع لي صوري ..فذلك يعني ان هذا الشخص قنع منك ظاهراً وباطناً.

· عبدالعظيم حركة فنان اللحن (الرهيف) عندما غنى (قلبي ما بعرف يعادي)… وحركة فعلاً قلبه ما بعرف يعادي.. نبقى الان مع (الصور) ونتوقف عند هذه الدعوى التي قضت بارجاع الرسائل والصور.

· بعض القصص العاطفية تحس في اشتباكاتها انها يمكن ان تصل لمحكمة العدل الدولية.

· لكن عبدالعظيم حركة ..يريد ان يخرج هنا بسلام بعد ان يأخذ كل ما يمكن ان يدينه…هذا يثبته في (قلبي ما بعرف يعادي).

انت رجع لي رسايلي

والرسايل العندي شيلها

والصور لو قلت برضو

وكل ذكرى ريد جميلة ..شيلها

· الجميل في الصور انها توثق لناس معينة وفي زمن خاص ..قد يرحل الناس ويمضي الزمن وتبقى الصور.

· الصور الان فقدت مكانتها لأنها لم فقدت خصوصيتها ..في الماضي كان الحصول على الصورة اصعب من الحصول على خاتم سليمان.

· زمان الواحد ما بصوره إلا اذا كان ماشي الحج.

· الان اضحت الصور واقعة (واطة). وعلى قفا من يشيل.

· اتخن تخين ممكن تجيب صورته …اعتقد ان (الجوال) لعب دوراً سلبياً في ذلك، لتشيع (الصور) بين الناس .. الغالي منها والرخيص.

· كذلك كان للانترنت دور في ان يضفي على الصور خصوصيتها.

· بمعنى انك اذا تحصلت على (صورة) بنت الان فهذا ليس دليل تعاطف او دليل وقوع في قصة حب.

· الامر اصبح اكثر من عادي.

· صاحب الصورة متوفر اكثر من الصورة نفسها.

· وفي هذا تعد على (الاشواق) التي فقدت حرارتها…. نسبة لحرارة التلفون.

· أتذكرون ذلك الزمن الذي كان فيه الشخص يمكن ان يهدي صورته لشخص اخر مع اهداء جميل خلف الصورة؟.

· أتذكرون هذا؟.

(6)

· بغم

· اردول والتوم هجو وبرطم.

· نهاية حزينة.

· وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

محمد عبد الماجد
صحيفة الانتباهة