*إحتفاء وزير المالية بإستقرار الجنيه!!*
التصريحات التي يطلقها وزير المالية، د. جبريل إبراهيم، من حين لآخر تبدو مربكة لجهة أنها لا تكون منسجمة مع واقع الحال في معظم الأحيان.
آخر تلك التصريحات (العجيبة) هو قوله أن الجنيه السوداني حافظ على قيمته بينما تآكلت قيمة الإسترليني والعملة الأوربية (اليورو) خلال الفترة الماضية .. إنتهى تصربح الوزير.
طبعا ما ذكره السيد جبريل حول تراجع قيمة الإسترليني واليورو صحيح ولا جدال حوله؛ ولكن هنالك أسباب موضوعية أدت لهذا الإنخفاض؛ نذكر منها الحرب الروسية على أوكرانيا ورفض روسيا قبول العملة الأوربية او الدولار لسداد مبيعاتها من البترول والغاز للإتحاد الأوربي وهو الأمر الذي تطور فيما بعد حيث منعت روسيا صادراتها من الطاقة لأي دولة تلتزم بإتفاق تحديد أسعار البترول والغاز الروسيين، الذي إتفقت عليه دول الإتحاد الأوربي وسيدخل حيز التنفيذ في أول فبراير من العام الحالي.
كذلك الحال بالنسبة للجنيه الإسترليني الذي إنخفضت قيمته بسبب عدم الإستقرار السياسي خلال الفترة الماضية وتغير الحكومات في المملكة المتحدة نتيجة لتداعيات الخروج من الإتحاد الأوربي وإرتفاع أسعار الطاقة والتضخم بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
إذاً الأسباب التي أدت لتراجع قيمة العملة الأوربية (اليورو) والإسترليني معروفة ومفهومة ومنطقية؛ وبالتأكيد ستستعيد كلا العملتين ما فقدته من قيمتها بمجرد زوال الأسباب التي أدت لذلك، بالإضافة إلى أن الحكومات في الدول الأوربية المعنية تسعى بجد لتخفيف وطأة التضخم على شعوبها؛ ناهيك عن أن هذه عملات راسخة في السوق العالمية وتتأثر بشكل مباشر بالعوامل (الجيوسياسية) والتغير في العلاقات السياسية والإقتصادية الدولية.
ولكن المطلوب من وزير المالية، في ما يخص شأننا الداخلي؛ هو توضيح الإجراءات التي إتخذتها الحكومة والسلطات المالية لتقليل الصرف الحكومي ووقف التهريب والفساد وتبديد الموارد؛ ووقف سياسة فرض المزيد من الرسوم والجبايات وزيادة الإيرادات التي لا تستغل بشكل صحيح في التنمية وتحسين الأحوال المعيشية الناس، وهل لدى وزارته الخطط والآليات الإقتصادية للتأثير في سعر العملة المحلية من خلال عمليات العرض والطلب؟ وهل يملك الوزير المبررات المنطقية التي يعتقد أنها السبب في إستقرار (الجنيه)؟ إن سلمنا جدلاً بذلك.
اما تفسيرنا للإستقرار أو الثبات (النسبي) لسعر العملة المحلية فيعود لحالة الركود التضخمي السائد حالياً في البلاد، وتوقف حركة الإقتصاد بشكل تام، حيث لا تنمية ولا إنتاج ولا مشاريع ولا وظائف للعاطلين عن العمل من الشباب.
أيضاً تشهد قطاعات الزراعة والصناعة والعقارات والأراضي والتجارة العامة والصادرات تدهوراً وتراجعاً مستمراً بسبب حالة الركود السائدة؛ أيضاً من ضمن التفسيرات المحتملة لثبات سعر العملة للفترة منذ أكتوبر 2021 ربما توقف الجهات الحكومية عن شراء العملات الصعبة من السوق الموازي (السوداء) لسداد إلتزاماتها المالية كما كانت تفعل من قبل.
نخلص للقول أن الإستقرار النسبي في سعر العملة المحلية ليس نتاجاً لسياسات إقتصادية طموحة أو نتيجة لتحسن إقتصادي أو نتيجة توفر إحتياطي نقدي من العملات الأجنبية لدي البنك المركزي يستطيع من خلاله التأثير على قيمة الجنيه في السوق من خلال العرض والطلب؛ وإنما يعود سبب هذا الإستقرار النسبي لعوامل تكتيكية مرتبطة بظروف معينة وغير مستدامة وقطعاً ستتدهور قيمة الجنيه من جديد إذا لم يتم العمل على تبني إصلاحات إقتصادية شاملة وطموحة تعمل على معالجة المشاكل الاقتصادية الرئيسية والمزمنة في الإقتصاد السوداني.
ختاماً يجدر بنا مطالبة المسؤولين بالإبتعاد عن مثل هذه التصريحات التي تحمل شيئاً من التأكيد على تحسن الإقتصاد بينما الواقع يؤكد عكس ذلك، فالمواطن يحكم على تحسن الأحوال الإقتصادية من خلال معيشته وتوفر متطلبات الحياة الأساسية بأسعار معقولة؛ كما أن لديه من الذكاء لمعرفة الهدف من وراء هذه التصريحات التي لا تستند على حقائق منطقية.🔹
eltag.elgafari@gmail.com
التاج بشير الجعفري
صحيفة الانتباهة