*تدهور التعليم في السودان .. أسئلة تبحث عن إجابات!!*
جميعنا نتذكر تلك الأيام الجميلة التي استمتعنا فيها برغد العيش وسهولة الحياة وبساطتها .. لم يكن ذلك بعيد في التاريخ وإنما كان في السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي حينما كانت المدارس الإبتدائية والمتوسطة والثانوية والمرحلة الجامعية؛ تزود الطلاب بكل الأدوات والمعينات الدراسية من كتب وكراسات وأقلام؛ ووقتها كانت المدارس في كافة المراحل والجامعات أيضاً تضم داخليات بكامل التجهيزات الخاصة بالطعام والأسرَّة والأغطية وخزائن الملابس؛ وكذلك أطقم الإشراف الإداري والرياضي، ذلك بالإضافة للنشاط الثقافي والفني من خلال الجمعيات الأدبية والليالي الثقافية.
حينها لم يكن المُعلم يشتكي من عدم كفاية راتبه .. بل كان المُعلمون يتمتعون بوضع مادي وإجتماعي مميز.
أيضاً لم تكن بيئة التعليم بهذا السوء في كافة الجوانب التي أخطرها وجود أعداد كبيرة من الأطفال خارج أسوار المدارس لأسباب متعددة كالنزاعات والنزوح والفقر.
وفي هذا السياق تُبين تقارير البنك المركزي الإحصائية أن عدد الأطفال في سن الدراسة والذين هم خارج أسوار المدارس يبلغ 3.5 مليون طفل وهو ما يقارب ثلث العدد الكلي لمن يُفترض أن يكونوا بالمدارس وهو 11.8 مليون؛ ولا شك أن ثلث هذا العدد يعتبر رقم كبير ومخيف ويعبر بوضوح عن حجم الكارثة المستقبلية التي تنتظر البلاد؛ مع العلم أن هذا العدد لا يشمل التسرب من الدراسة للطلاب الذين لا يكملون مرحلة الأساس أو الثانوي؛ لذلك ربما يصبح العدد الكلي أكبر بكثير.
الكارثة المستقبلية تتمثل في أن عدد كبير من هؤلاء الأطفال الذين فقدوا الفرصة للتعليم سيصبحون عاطلين عن العمل وعالة على المجتمع والدولة بالإضافة لكل ما قد ينجم عن ذلك من مخاطر وتحديات.
ولمزيد من الفهم لأبعاد مشكلة تدهور بيئة التعليم مقارنة بما كان عليه في السابق؛ نود أن نطرح مجموعة من الأسئلة لعلنا نستطيع من خلال الإجابة عليها فهم أسباب المشكلة بُغية التوصل لبعض الحلول.
○ ما هو السبب المباشر لتدهور بيئة التعليم في البلاد؟
○ وهل التدهور الذي حدث له علاقة بتَغَيُّر أنماط الحياة وظهور مدارس التعليم الخاص التي فتحت المجال لدخول مناهج التعليم الأجنبية (المنهاج البريطاني والأمريكي وغيرهما)؟
○ هل ساهم الفساد المُستشري في تبديد موارد الدولة مما أثر في تدهور التعليم في السودان كغيره من القطاعات الأخرى؟
○ كيف تستطيع دولة النهوض والتطور وهي لا تهتم بالتعليم ولا تخصص له الموارد الكافية؟
○ ألا تنبيء الإضرابات المُتكررة لمُعلمي المدارس والجامعات بإمكانية أن يتسرب العاملين من هذه المهنة؛ وما قد يترتب على ذلك من ضرر؟
○ هل فعلاً الدولة لا تملك الموارد الكافية للإنفاق على التعليم؛ أم أن المسألة تتعلق بسوء تقدير لأهميته؟
○ هل عدم الصرف على التعليم يعود لخطأ وسوء في ترتيب الأولويات؟
○ هل يحصل الطلاب من خريجي الجامعات على المعرفة الأساسية في التخصصات التي يدرسونها؛ أم هم فقط يحملون شهادة تخرج والقليل جدا من المعرفة في تخصصاتهم.
○ هل ترفد الجامعات سوق العمل بخريجين يمتلكون المهارات الأساسية المطلوبة.
○ هل يستطيع خريجي الجامعات السودانية المنافسة على الوظائف بالخارج مع رصفائهم من خريجي جامعات الدول العربية الأخرى.
من خلال التساؤلات أعلاه يتضح الضعف والتدهور الواضح في بيئة التعليم وعدم مواكبته للمتغيرات في الحياة؛ لذلك لابد للجهات المختصة في الدولة من العمل على عقد منتدى لمناقشة المشاكل والعقبات التي تعترض قطاع التعليم في البلاد ووضع إستراتيجية بأهداف واضحة وآجال محددة للنهوض بهذا القطاع الذي تنبنى عليه النهضة والتقدم؛ وأول ما يجب البدء به هو تحسين أوضاع أساتذة الجامعات والمعلمين بالمدارس ويشمل ذلك تعديل الهيكل الراتبي الخاص بهم، بما يسمح لهم بالعيش الكريم والتفرغ لأداء رسالتهم السامية.
ينبغي التاكيد؛ أنه في عالم اليوم أصبح البحث العلمي والإكتشافات والإبتكارات التكنولوجية هي أساس تقدم الدول وتطورها .. ومن البديهي أن ذلك يعتمد أساساً على جودة التعليم وتطوره وملاءمته لمتطلبات الحياة المتغيرة.
ولا جدال في أن التطور العلمي سيحدد أهمية الدول وسطوتها في المستقبل القريب، في ظل تنامي الإعتماد المتزايد على التكنولوجيا المتمثلة في مجالات الرقمنة والأتمتة والذكاء الإصطناعي والتقنيات الحديثة الأخرى، بالإضافة لسعي كافة الدول لإستكشاف الفضاء؛ وكل ذلك يستند في الأساس على مدى جودة التعليم والبحث العلمي وتطوره ومواكبته للتَغَيُّرات المتلاحقة في أسلوب الحياة.
فهل نأمل أن تتغير نظرة المسؤولين في الدولة لأهمية التعليم في تحديد مستقبل الأمم؟🔹
التاج بشير الجعفري
صحيفة الانتباهة