مقالات متنوعة

عبد الله مسار يكتب: السِّياسة للعارفين


الخليفة هارون الرشيد في حالة غضب قال لزوجته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، ثم ندم على ما قال لأنه يحبها كثيراً، وهي حزنت كذلك حزناً شديداً، فجمع العلماء للفتوى.

قال له العلماء ومن يجرؤ منا أن يفتيك أنك من أهل الجنة، لقد أصابت زوجتك وضاقت الأمور في هارون الرشيد، فقال لرجاله وحاشيته ألم يبق عالم في بغداد كلها؟ قالوا هنالك عالم واحد اعتزل الناس منذ زمنٍ اسمه (الليث بن سعد)، وكان الليث أحد أشهر الفقهاء في زمانه ولد وعاش في مصر وفاق في علمه وفقهه إمام المدينة المنورة (مالك بن أنس)، ولكن تلاميذه لم يحتفظوا بعلمه وفقهه مثلما فعل تلاميذ الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول (الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به).

قال هارون الرشيد أحضروه، فلما أحضروه ودخل وقام العلماء وقعدوا (وهذه الصفة كانت لاحترام العلماء لذلك وأن يقال فلان يقام له ويقعد).

عرض عليه المسألة، فنظر الليث في هارون الرشيد ثم وجّه العلماء وقال يا أمير المؤمنين أريد أن أخلو معك، فانصرف الجمع من المجلس، وقال له الليث ضع يدك يا أمير المؤمنين على كتاب الله وأقسم بأنك ستصدقني لا تكذب، فأقسم هارون الرشيد، فقال يا أمير المؤمنين أما والله لم استحلفك تهمة لك فإني أعلم أنك صادق الكلم ولكني أحببت أن لا تخدعك نفسك، استحلفك بالله يا أمير المؤمنين هل ذكرت الله يوماً خالياً ليس عندك أحد ولم تذكر في نفسك غير الله أحداً فذرفت عينك الدمع على لحيتك؟ قال هارون وحق منزل هذا الكتاب لقد كان ذلك مراراً، قال الليث افتح كتاب الله على سورة الرحمن ففتح، وقال اقرأ قوله تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فبشره بدل جنة جنتين بدليل قرآني. قال الليث فليدخل العلماء الآن، فدخلوا.

قال لهم أما والله لم أصرفكم استخفافاً بكم، ولكن أحببت أن أخلو بأمير المؤمنين حتى لا تدخل عليه نفسه، فصادق جميع العلماء.

قال الليث بن سعد في فتواه يقول عبد الله بن عمر رضي عنه عنهما لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أتصدّق بألف دينار، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار رجل بكى من خشيه الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم) رواه الترمذي.

نأخذ من هذه القصة، العبرة ونرسلها للإخوة في الحرية والتغيير المركزي، أنتم تتعاملون مع الثورة والسُّودان تعاملاً سطحياً، تعتقدون أنّ السُّودان مِلْكٌ لكم وتحكمونه كما تشاءون، دون أن تتذكّروا معرفة وقُدرات الشعب السُّوداني ونضاله كدولة ووطن، ولذلك أنتم لا تنظروا إلى الشعب السُّوداني، ولكن تنظرون إليه خارج فولكر والرباعية، والفرق كبيرٌ بين الشعب السُّوداني وجماعة الدولة الذين تعملون تحت مظلّتهم، واستعملتم الفتوى الظاهرة، فيما تريد الرباعية ومن لفّ لفّهم دون النظر إلى الفتوى العميقة كما أدلى الليث بن سعد.

أدعوكم إلى أن تعيدوا فهمكم هذا وتطوِّروه الى قيمة القرار الوطني وليس الأجنبي، وقصص التاريخ لا تحكى للأطفال لكي يناموا، بل تحكى للرجال لكي يستيقظوا!!!

أصحوا يا إخوان في الحرية والتغيير المركزي، فالسُّودان اليوم ليس كالأمس، لن يعود السُّودان إلى ما قبل الاستقلال، ولن يحكم السُّودان من (هنا السُّودان)، ولكن يحكم من هنا كل السُّودان، ولن يحكم من شوارع الخرطوم الثلاثة والشوارع الخمسة عبر (مجموعة النُّخب)، ولكن السُّودان سيُحكم كدولة شاملة.

أما جماعة الرباعية، فيهم اثنان يعملان لاستعمارٍ جديدٍ بطريقة ناعمة عبر وكلاء من أبناء السُّودان عاشوا في دول غربية، يستعملون أدوات لصالح الاستعمار الجديد!!!!

عليه، انتبهوا أيُّها السادة أنّ السُّودان كالليث بن سعد عالم يدري أنه يدري.

صحيفة الصيحة