عادل الباز: حميدتي.. الإشارة جاي ولا جاي؟
*1* حين تُمعن النظر في القرارات والسياسيات التي يتخذها أو يتبعها الفريق أول حميدتي، نائب الرئيس. تتملكك الدهشة ولا تعرف من يسوق له مثل تلك السياسات والمواقف التي يتخذها. بسم الله نبدأ.. بموقفه من الجيش السوداني، الذي هو طبيعياً أن يكون حاضنته المعلومة والأقوى.. نجد أن حميدتي يكاد يكون قد فقد الجيش بأكمله، إذ لم يكن بمناصبته العداء، نسبة لتصريحاته الكثيرة التي يطلقها، والتي تزدري قيادته (كارب قاشو) وتعارض سياساته وتقف دائماً عكس اتجاهاته.. وحين تتأمل أسباب ذلك، لا تجد سبباً واضحاً ومعقولاً لمواقفه تلك سوى طموحاته العجلة.
*2*
طبيعي أن يكون حميدتي تابع لقيادة الجيش السوداني، ولكن بضغوط كثيرة منه ورضوخ قيادة الجيش لمطالبه المتعددة تم تعديل قانون الدعم السريع ليخرجه من تبعية جهاز المخابرات (مؤسسه الأول) ليصبح تابعاً للقائد الأعلى مباشرة، الذي هو رئيس الجمهورية إبان عهد الرئيس البشير، ثم أصبح تابعاً للقائد العام للقوات المسلحة، وهاهو يعود في الاتفاق الإطاري تابعاً للقائد الأعلى المدني، وتُصبح تبعيته للجيش هلامية بنص الاتفاق الإطاري. كأن المقصود هو خروج قوات الدعم السريع كلياً من المنظومة العسكرية، ليكوّن منظومته الأمنية الخاصة من أمن واستخبارات وقواعد عسكرية بطول البلاد وعرضها، ثم نيابة ومحاكم وسجون وشركات خاصة ووووو… جيش موازي بالكامل.
*3*
تغير الموقف أخيراً قليلاً بعد إعلان موافقته على دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة ولكن بشرط تفكيك الجيش نفسه تحت ستار الإصلاح والهيكلة التي ينادي بها أعداء المؤسسة العسكرية، ولا يعرف أحدهم كيف يُهيكل حزبه ذي الستين عضوا… ياخي البلد دي مدهشة.!!. هذا هو ما قاد أغلب قيادات الجيش لتتخذ موقفاً سلبياً من كل تحركاته وقرارته. تُرى ماذا سيجني حميدتي من تلك المواقف؟ هل سيرضخ الجيش لسيطرته أو يقبل بتفكيك نفسه، ومقابل ماذا؟.فلماذا يضع حميدتي نفسه مقابل الجيش، ونتيجة مثل هذا الصراع محسومة، ولن يحصد إلا الخراب، لا تفهم.
*4*
يتخذ حميدتي مع بداية الثورة موقفاً متطرفاً من قوى الحرية والتغيير التي تتهمه بأنه صنيعة الإنقاذ بل أحد كوارثها ابتداءً ثم يتطور الأمر لاتهامه بأنه مسئول عن فض الاعتصام وتُسمي قواته بـ(الجنجويد) وتحضر الآن ملفاته لمحاكمة الجنايات الدولية. هذا الموقف العدائي بين الطرفين تحول فجأة بين يوم وليلة إلى تحالف.. لماذا ؟ لا تفهم.. هل يسعى ليتقوى بأعدائه في الحرية والتغيير في وجه الجيش السوداني ؟ أو أنه صدّق الوعود المبذولة له بغسل قواته من الاتهامات التي تحيط بها مع وعود بقبوله من المجتمع الدولي، ليس كمليشيا، بل كجيشٍ موازٍ أو بديل للقوات المسلحة، إذا ما أيد ونافح عن دستور المحامين قبل أن يراه ووقع على الاتفاق الإطاري قبل أن يقرأه.. (اكتشف لاحقاً أحد المستشارين أن الاتفاق الإطاري يخلو من أي موقع له بالدولة). إذن تلك صفقة خاسرة، لأنه سرعان ماسيتكشف أن تلك الوعود مجرد سراب.. ولكن السؤال المقلق هو، أين جمهرة المستشارين الذين يحيطون به.؟. أليس بينهم من يعرف أن وعود المجتمع الدولي مجرد هراء وأن تكتيكات الأحزاب قصيرة النظر وتقلباتها وإخلالها بالاتفاقيات والمواثيق موثقة تاريخياً.. هل ياترى منهم من قرأ لأبيل ألير(نقض العهود والمواثيق) وليس اتفاق جوبا الذي مهره بيديه بعيداً عن الأذهان.!!.
*5*
دون سبب ولغ حميدتي في عداء لا مبرر له مع الإسلاميين الذين صنعوه بأيديهم، ولم يعادونه بعد التغيير وسكتوا عن كل ماقال وفعل بهم. أصبحوا شغله الشاغل، وهاجسه الدائم، وكل تصريحاته تنصب في تكريس ذلك العداء. والعجيب أنه ينعتهم بـ(الفلول) .. رمتني بدائها وانسلت . لماذا؟… لا تفهم.
*6*
الموقف الأغرب هو من حلفائه بالأمس القريب وهم الحركات المسلحة التي بذل مجهوداً عظيماً لإيصالها السلطة كحلفاء له، فتم اتفاق جوبا برعايته المباشرة، ولكن سرعان ما تغيرت الأحوال فأصبح القائد حميدتي ضمن المطالبين بتغييره أو ربما بإلغائه إرضاءً لحلفائه الجدد في الحرية والتغيير (الغريب أن الإطاري يطالب بمراجعته بينما أصبحت كل التصريحات قبل الورشة طالبت بدعمه دون أن تحدث فيه تعديلاً ولا مراجعة على إثر المقاطعة الواسعة لورشة المنلوج تلك).. ولا تفهم أسباب تلك الانعطافة المفاجئة في تحولاته السياسية وحركته غير الرشيقة من معسكر إلى معسكر الضد تماماً.
*7*
كذلك فعل مع القوى المجتمعية مثل الإدارات الأهلية التي طالما ما اعتبرها حاضنته وبذل لها الأموال والعربات، ودافع عنها. وفجأة انقلب عليها وناصبها العداء. الحاصل شنو؟ لا تفهم. نقص الجينات السياسية معضلة للقادة الجدد.
*8*
سياسياته الخارجية مجهجهة… تدي ربك العجب!! لأنه كما يبدو يرسي في مداميك دولته الخاصة. فهو في معسكر الإمارات، ولكنه متحالف مع روسيا وفاغنر.. فتصدير الذهب للإمارات وانتاجه مع روسيا، ومع روسيا أيضاً في الاستشارات المعلوماتية والمخابراتية والقواعد العسكرية والسلاح.!
في السياسة الداخلية يجمعه مع أمريكا وحلفائها الإطاري (الرباعية) وفي سياساته الخارجية تتقاطع مع أمريكا وفرنسا. مواقفه في أفريقيا الوسطى ضد دولة السودان التي هو نائبها، شُفت كيف.. كما أنه يستطيع أن يغلق الحدود بين الدولتين على كيفو. !!.
*9*
سياساته في تشاد مربكة، فلا تعرف هل هو ضد ديبي الإبن أو معه. الرئيس البرهان في زيارته الأخيرة لتشاد حين طلب منه التشاديون تفسير تدخلات نائبه حميدتي في صراعاتهم الداخلية بدعم بعض الأطراف قال لهم الأفضل أن تسمعوا منه شخصياً، فهبط الفريق أول حميدتي في أنجمينا في اليوم التالي لزيارة الرئيس البرهان، مما أثار دهشة كل المراقبين ولا يعرف أحد كيف تمت تسوية الوضع.
*10*
اتخذ حالة من العداء الصامت تجاه مصر، والسبب أن مصر أكدت له أنها لاتقبل بقوات منفصلة أو بديلة للجيش السوداني لأسباب كثيرة شرحوها له بالتفصيل، يكفي الفوضى التي في جوارها في ليبيا وفي سيناء ومع عدوها التاريخي اسرئيل التي تعبث في سيناء وتشن حرب إبادة الآن على الفلسطينيين.بالمناسبة لم أفهم احتجاج الفريق حميدتي على عدم علمه بزيارة الإرهابي كوهين للخرطوم، وهي عار على خرطوم كانت لها لاءات، لأول مرة في التاريخ يحتج قائد لأن عاراً مخزياً لم يلحق به.!!. ثم لماذا لم يسأل ميرغني إدريس وأخيه عبد الرحيم فعندهما الخبر اليقين حول زيارة السامري كوهين.
*11*
إزاء هذا الوضع المختل في دولة السودان التي أصبحت برأسين، لا بد أن نجد للسيد حميدتي مستشارين من طراز رفيع ومستقلين حقيقيين، فمستشاريه الآن والعرابين الجدد يسعون لتوظيفه لخدمة أجندتهم الحزبية ولتصفية حساباتهم مع خصومهم السياسيين والعسكريين، ثم أن مقدراتهم محدودة وليست بحجم التحديات التي تواجه البلاد، وبذا نكون قد قمنا بواجب وطني بتقديم العون اللازم له لفهم تعقيدات السياسة المحلية والدولية، ولا نتركه نهباً لأجندات الخارج وانتهازية الأحزاب التي تسعى لأن تجعل من قواته مطية للوصول للسلطة، ولنخفف من حالة العداء المُستعر بينه والجيش والقوى المجتمعية، وذلك ريثما نستعيد وحدة كل المنظومة العسكرية ونصل لمرافئ نظام حر ديمقراطي ننهي به فترة التيه التي نعيشها حالياً، وغالباً يحدث ذلك بعد أربعين عاماً، مقدار فترة تيه بني إسرائيل الذين هم قدوتنا حالياً.!!.
عادل الباز