محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: جداد الخلا

(1)

 من ابرز ملامح هذا العصر وأوضح علاماته انه انتهى من الفوارق بين الحضر والبدو، وجعل المسافات مجرد (ارقام) لا تأثير لها – لم تعد (المسافة) حاجزاً او عائقاً في هذا العالم ، لأن البعيد مهما كان بعده يمكن ان تصل له في وقت وجيز عبر الطيران او عبر الموبايل وأنت تجلس في مكتبك او تعتكف في بيتك.

 انتهى عصر الجهد والمشقة في الحصول على المعلومة والخبر.

 المسافة (الجغرافية) لم يعد لها قيمة او مكانة او تأثير .. حل بدلاً عنها المسافة (النفسية) .. وهذا ما نلمسه في كلمات صلاح حاج سعيد (لسه بيناتنا المسافة) – هذا امتداد لمسافة غير مرئية… وقريباً احمد الجابري (غربة في ارض الوطن) .

 حدث في لندن او نيودلهي او سدني يمكن ان تصل اخباره اليك وتتابع تفاصيله اكثر من حدث يحدث في نفس الاثناء في الحارة او في البيت الذي تسكن فيه.

 دعكم من هذا – الجيل الحالي يتابع الدوري الانجليزي والدوري الاسباني ويعرف عنه كل شيء ، ولا يعرف شيئاً عن دوري تلعب معظم مبارياته على استاد الخرطوم… على بعد 50 كيلو متراً منه.

 العالم الخارجي عنده قدرات على عرض ثقافاته وبضائعه بصورة جعلت ثقافاتنا تتراجع .. وبضائعنا يصيبها الكساد.

 نحن ننتظر اخر رسالة من ايفون ونترقب صفقة برشلونة القادمة ونتابع حرب روسيا على اوكرانيا اكثر من متابعة الاحداث في دارفور.

 اندثرت بشكل كبير التفاصيل الخاصة والأخبار المحلية والعلاقات الاسرية ايضاً.

 الاحداث التى شهدتها العلاقة بين الفنانة المصرية شيرين عبدالوهاب وزوجها تامر حبيب يعرف الناس تفاصيلها اكثر من معرفتهم بتفاصيل اسرية تخصهم.

 المسافة سقطت في هذا العالم وسقطت كذلك الجنسية وليس لنا في عالم اليوم مقاعد إلا في مدرجات المتفرجين .. نحن المستهدفين لأننا دولة (مستهلكة).

 في التجارة وفي السياسة ايضاً انت تستهدف (المستهلك) .. لا يهمك غيره ولا يعنيك في شيء إلا اذا كان ينافسك على (المستهلك) الذي تقصده.

 الصراع في العالم صراع على (المستهلكين).

(2)

 في الامثال الشعبية البسيطة والمعبرة (جدادة الخلا طردت جدادة البيت) – الحقيقة ان هذا الامر اذا حدث وهو يحدث الآن في كل المجالات يعتبر تطوراً لجدادة الخلا – يعيدنا هذا الى بداية المقال .. وكما قلنا اضحت المسافة (ملغية) في حسابات اليوم نقول ان عالم اليوم لا يوجد فيه (خلاء) فقد وصلت المدنية والتكنولوجيا لكل البقاع.

 لا تحتاج (جدادة الخلا) ان تبذل جهداً .. سوف يصلها العالم كله وهي في (خلاها) – البيت لم يعد مقياساً.

 بل يمكن ان نحسب الامر على (جدادة البيت) ونعتبر تغول (جدادة الخلا) على بيتها خمولاً منها .. فقد تطورت (جدادة الخلا) وأصبحت تستعمل احدث التقنيات .

 فيما يحدث الآن ارجوكم لا تلموموا (جدادة الخلا) .. كونوا اكثر جرأة وأكثر وعياً ووجهوا لومكم لجدادة البيت .. التى اكتفت بمشاهدة الافلام الهندية والمسلسلات التركية.

(3)

 التطبيع مع اسرائيل يمكن ان يشرعن (بيوتية) جدادة الخلا.

 الازمة السودانية الآن ازمة تغول (جداد الخلا) على البيت .. يحدث ذلك سياسياً وعسكرياً ورياضياً وإعلامياً وثقافياً.

 يكاد ان يكون (الخلا) شرطاً في التقدم في هذه الايام.

 العسكرية هي تغول لجداد الخلا على بيت (المدنية).

 عندما تكون السلطة عسكرية .. فذلك يسهل للعالم الخارجي السيطرة على السلطة .. فهم يملكون قرارهم ويملكون سلاحهم ويمسكون بملفاتهم السوداء. لذلك العالم الخارجي لا يريد سلطة (مدنية) لا يمسك عليها شيئاً.

 المشكلة انهم بدلاً من ان يجعلوا السودان هو البيت الكبيرة جعلوه هو الخلاء الواسع حتى يتوافق ذلك معهم ولا يحسوا بغربة فيه.

(4)

 بغم

 ليس المسافة وحدها .. الانسان نفسه يفقد مكانته وتحل محله (آلة).. التقنية الحديثة سوف تختزل دور الانسان في (الاستهلاك) فقط.

 انتبهوا لهذا.

 القادم سوف يلغي وجودنا تماماً.

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الاناباهة