مقالات متنوعة

مرحبا بالمبعوثين الغربيين ولكن ..!

مكي المغربي


من جهة أنني أعتقد أن الحل هو الإتفاق الإطاري – في حالة توسيع المشاركة فيه وتصحيح النقاط الخلافيه فيه – لا يمكنني أن أقول للمبعوثين الغربيين القادمين لزيارة السودان لا مرحبا بكم، بل سأقول لهم يا أهلا وسهلا بكم، لأنكم قد أعلنتم أنكم ترغبون في ذات الحل الذي أدعو له.

لكن من جهة أن بعض الأطراف الموقعة على الإطاري -تحديدا قحت- جادة في توسيعه، ومستعدة للتعاون مع بقية القوى الوطنية في تنفيذه فإنني -وبكل أسف- أثق في المبعوثين الغربيين أكثر من قحت.
يزور السودان ممثل الإتحاد الأوربي في القرن الأفريقي، المبعوث الفرنسي للقرن الأفريقي، مسئول القرن الأفريقي في الخارجية الألمانية، المبعوث النرويجي للسودان وجنوب السودان، المبعوث البريطاني للسودان وجنوب السودان، ومساعد وزير الخارجية الأمريكي لشرق أفريقيا.
ها هنا سؤال مهم للغاية، هل صحيح أن الدول الغربية وعلى رأسها الترويكا (أمريكا وبريطانيا والنرويج) راغبة في تفضيل الناشطين والسياسيين من قحت، المجلس المركزي على غيرهم، وتجتهد للوقوف معهم لاستلام الحكم مجددا مع إقصاء الآخرين؟ هل تمنحهم ميزة على غيرهم؟
الجواب، (نعم ولا) في ذات الوقت! هل هم مقتنعون بهم، أو من جدوى التعويل عليهم في حكم السودان؟ الإجابة (لا)! هل هم ملتزمون بالتعامل معهم بشكل مميز؟ الإجابة (نعم)!
ولمزيد من شرح هذا التناقض لا بد من التأكيد على أن الدول الغربية ومن يمثلونها من سفراء هنا عليهم واجبات سياسية ومهنية لا فكاك لهم منها حتى لو كانوا غير مقتنعين بها، بل حتى ولو كانوا غير مقتنعين بجدواها للعلاقات بين بلادهم والسودان.
في كل الحالات المشابهة للسودان، هنالك مساحة محجوزة لمن يتم تصنيفهم بأنهم أنصار الديموقراطية، وهي تصنيفات ليست بالضرورة أن تكون مقنعة للسفير الذي يمثل أي دولة غربية. على سبيل المثال لا يستطيع السفير الأمريكي الإمتناع من التعامل مع أسماء وشخصيات وأحزاب طالما أن الداخل الأمريكي (ممثلا في منظمات وجماعات مناصرة في حقوق الإنسان) يعتبرهم أنصار الديموقراطية.
ذات الأمر ينطبق على السفير البريطاني، والفرنسي، والنرويجي، والألماني وغيرهم، وينطبق على المبعوثين الغربيين الذين يزورون السودان.
ستتم محاسبتهم داخل بلدانهم على هذه النقطة.
صناعة هذه التصنيفات في الداخل الأمريكي أو في الدول الغربية عملية منفصلة عن الحسابات الأمنية والمصالح الإقتصادية، بعض هؤلاء الناشطين -للغرابة- ضد الدول الغربية ومع الصين ومع الإشتراكية وضد النيوليبرالية وضد الاقتصاد الحر وضد سلام الشرق الأوسط، بل بعضم لا صلة له بالديموقراطية ويمارس الاستبداد داخل الكيانات التي كان يتزعمها، والأدهى من ذلك، أن قحت حكمت ومارست الإستبداد والغش والخداع التضليل، وتفشى بينها الفساد السياسي والعمل لصالح حكومات عربية غير ديموقراطية ترغب في ضرب التحول الديموقراطي تماما.
رغم كل هذا، الاعلام الغربي يسميهم أنصار الديموقراطية!
والسفراء الغربيون والمبعوثون يعلمون تماما أن تصنيف هؤلاء أنهم أنصار الديموقراطية تصنيف زائف وكاذب، ولكن لا يمكن مخالفة هذا التصنيف الذي ترعاه جهات بعينها في الدول الغربية، وهي تقوم بهذا التصنيف بسبب الاحتياج إلى شهود من السودان وغيره من البلدان على الجرائم والإنتهاكات لأن حملات المناصرة وحقوق الإنسان تحتاج إلى هذا الزخم، وتحتاج إلى ضحايا أو من يجهزون التقارير باستمرار حول هؤلاء الضحايا.
هذه علاقات موجودة لمدة سنين وسابقة لتعيين السفراء وستكون مستمرة بعد ذهابهم، ولا دور لهم في تغييرها حتى ولو كان السفير أو المبعوث ينتقدها ويراها غير مفيدة لمصالح بلاده.
بل بعض السفراء الغربيين يعلم تماما أن حديث بعض قادة قحت أننا سنذهب للسفارات ونشتكي لهم الجيش السوداني حديث ضار بمصالح وصورة بلادهم، ولكن يجب التعامل مع من قاله طالما هو ضمن المصنفين اعلاميا (انصار الديموقراطية).
الخلاصة، أن الإتفاق الإطاري مهم جدا لأن قحت المركزي والسياسيين والناشطين (المزيفين والحقيقيين) كلهم مهمين للغاية لإصدار قرار غربي بالتعاون مع السودان.
الحل هو إذن المحافظة عليهم مع توسيع الإطاري لمنعهم من الإنفراد.
السؤال هو ماذا لو تصلبت قحت وتمسكت بالإنفراد والاقصاء أو باشراك الآخرين “صوريا” مع حظرهم من الحق في المشاركة في اختيار رئيس الوزراء؟
الحل بالنسبة للدول الغربية سيكون هو الاستمرار في الانحياز ظاهريا لمن تم تصنيفهم أنهم أنصار الديموقراطية والتستر على أخطائهم، وترك الشق الأمني الاستخباري للدول الغربية أن ينسق (من على البعد) لعودة النظام السابق أو تسليم السلطة للمكون العسكري دون ان تتورط الدول الغربية في دعم هذا الأمر.
في تقييمي أن هذه آخر فرصة، ليس للعساكر إنما للمدنيين أنصار الديمقراطية.
هي آخر فرصة لانقاذ الإتفاق الإطاري بتوسيعه ليشمل الجميع، وذلك بالاحتفاظ بأنصار الديموقراطية والحكم المدني (حسب الإدعاء) وبقية القوى السياسية والتي فيها من يقف مع الديموقراطية ويرغب في الانتخابات حقيقية لا ادعاء.
حاليا، الدول الغربية محاطة بالآثار السيئة للحرب الروسية على أوكرانيا، ولديها مشكلات اقتصادية وأمنية وسياسية، لن تتردد هذه الدول على السودان كثيرا، ستكون هذه أكبر وآخر زيارة لاستئناف علاقتها مع السودان وتطويرها بالطرق الطبيعية، لو فشل الإطاري لن تدير ظهرها للسودان ولكن ستنتظر أخبار “الحل الأمني الموازي” لترفضه إعلاميا وديبلوماسيا.
بعد أن تتخذ الخرطوم خطواتها المنفردة ويتحمل مسئوليتها البرهان والجيش والمكون العسكري، ويذهب السياسيون للسجون والمهاجر، ستتعامل الدول الغربية مع الحكومة الموجودة وتبرر لذلك بأن التعامل مع الأمر الواقع ضروري لمصالحها وأمنها.
نصيحتي للمبعوثين الغربيين أن ينتهزوا فرصة هذا الزخم ويوسعوا دائرة صداقاتهم وتحالفاتهم مجددا، لأن هؤلاء الناشطين حكموا وفشلوا من قبل، وهم متعطشون للسلطة حاليا، وستكون تجربتهم أسوأ، لذلك لا بد من توسيع دائرة الصداقات والتحالفات.

……………

صحيفة الانتباهة