مقالات متنوعة

أحمد يوسف التاي يكتب: هيبة الدولة..الشدة سياج الرحمة


(1)
السياسة هي فن الممكن، وهيبة السلطان هي مزيج الرحمة والشدة ولا شك في ذلك… والسياسةُ عندي هي حسن التدبير والحنكة و”الملاينة” لتحقيق مصالح الشعوب والخروج من أي أزمة أو مطب بأقل الخسائر… وأي حاكم في الدنيا يحتاج إلى الرحمة والشدة ، فلا بد أن يكون حاسماً شديداً في موضع الشدة ورحيماً شفوقاً في موضع الرحمة …
أختلف كثيراً مع الذين يحاولون ترسيخ مفهوم السياسة على أنها لعبة قذرة (Dirty game) لتبرير أفعالهم وممارساتهم القبيحة وتسويق “الميكافيلية” في ثوب الشطارة والمراوغة طالما أنها في النهاية تحقق الهدف ولا يَهُم بأي وسيلة، المهم عندهم هو الغاية.. لكن الحقُّ أن السياسة بلا أخلاق ومبادئ تصبح (بلطجة) والسياسي بلا أخلاق هو قاطع طريق ومنافق دجال.. والسياسي الناجح والمحترم هو الذي يستحوذ على ثقة الجماهير وعلى قلوبهم ويحظى بحبهم من واقع مواقفه النبيلة و”كاريزميته” وترفعه عن الصغائر وطهر اليدين والعفة عن المغنم والاستقامة ونكران الذات ذلك هو القائد السياسي الفذ…
(2)
ما وُجدت السياسة إلا لإصلاح حياة الناس وتحقيق مصالحهم، فهي الوسيلة لإدارة شؤون الحكم فكيف يستقيم أن ندير شؤوننا بالشقاق والنفاق وسوء الأخلاق والمراوغة والمداهنة والانتهازية والميكافيلية، السياسة كمنهج للإصلاح وإدارة شؤون الحكم ليس بها غبار ولا بأس عليها ولكن المشكلة في العناصر الفاسدة التي تمسك بخيوط السياسة فهي التي أفسدت الحياة السياسية وأحالتها إلى لعبة قذرة وشقاق ونفاق ودجل وشعوذة وشعارات خادعة، و”حفر” ومؤامرات..
أما السياسة كمنهج ووسيلة بريئة من أفعال هؤلاء.. فليس كل الساسة أبالسة وليسوا كلهم فسدة وقتلة وسفّاحين ، فالتاريخ حدثنا عن حكام وملوك سار بعدلهم ونزاهتهم الركبان ومجالس السمر وأحبهم الناس لتواضعهم وبساطتهم وقوة عزيمتهم وشدتهم ولعِظَم إنجازاتهم..
(3)
وهيبة السلطان هي ضرورة من ضروريات الحكم الرشيد ، وهيبة الملك معادلة من شقين كما أسلفت الرحمة والشدة …وكما أن الرحمة مطلوبة بإلحاح ،الشدةُ أيضاً ضرورية وحتمية ، فهي ـ أي الشدة ـ سياج الرحمة والعدل ولا تستقيم الرحمة ولا العدل إلا بها …الرحمة مطلوبة للرعية عامة ما استقامت على الجادة وللفقراء والمساكين والضعفاء من الرعية ، فمن شقَّ على الأمة شقّ الله عليه …ففي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به).. رواه مسلم.
الشدة مطلوبة لتطبيق القانون بدون تردد أو مجاملة أوانتقائية أو شفقة ، وشدة الحاكم في تنفيذ القانون بالحزم والحسم اللازمين لا فرق في ذلك بين كبير وصغير ورئيس ومرؤوس …الشدة مطلوبة وحتمية لفرض هيبة الدولة والحكم والسلطان حتى لا يغري التهاون اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق والأعداء فيعيثوا في الأرض فساداً ويروعوا الآمنين ويزرعوا الفتن ويزعزعوا استقرار الأمة… كما في خطبة الصديق رضي الله عنه :(الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه ) ..
(4)
الحاكم الذي يتسم بالرحمة دون الشدة يذهب بهيبة الدولة ويضيّع مستقبل الأمة وحاضرها ..والحاكم الذي لا يعرف متى يستخدم الشدة والحسم في موضعهما ليس جديراً بالحكم لأنه يعرض أمن أمته للخطر بسبب الغفلة والتهاون ولكونه يفتح باباً للفتن والفوضى القاتلة.. وعليه أن يتذكر دائماً أن الشدة سياج الرحمة والعدل….اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة