مقالات متنوعة

يوسف التاي يكتب.. ضاقت تاني


(1)

على أيام الثانوي والجامعة كنا نتبارى في المطارحات الشعرية ، كان أحد الزملاء بعد أن أنتهى إليه عجزالبيت بالضاد ، استهل بيته بـ (ضاقت ولما استحكمت حلقاتها ) ثم نسي البيت الذي يقول : ( ضاقت ولما استحكمت حقاتها فُرجت وكنتُ أظنها لاتُفرجِ) ، فقال صاحبنا عوضا عن ذلك :(ضاقت ولما اسنحكمت حقاتها ضاقت تاني ..)..هذا الحال الذي يعبر عن قمة الإحباط والسوء ربما ينطبق على حال المشهد السياسي السوداني تماما…فكلما نستبشر خيرا ونتمثل الإنفراج في موقف أو تصريح أوتطور إيجابي يبعث الأمل في النفوس ، يأتي موقف أوتصريح أو تطور آخر ينسف الذي بدا أملا وضوءا في آخر النفق..

(2)

ثلاثة أيام مرت على خطاب رئيس مجلس السيادة السيد عبد الفتاح البرهان بمنطقة الزاكياب …الخطاب بدا وكأنه صخرة عاتية اُلقيت في بحر تتقاذفه الأمواج فزادت من اضطرابه وهياجه ،إذ لاتزال الأوساط السياسية والإعلامية مشغولة بتحليل الخطاب وقراءة ما بين سطوره واستشراف ماهو قادم من فتن وتعقيدات جديدة وربما مواجهات ، حيث تراءى للكثيرين وكأن مرحلة من المواجهة العلنية قد بدأت فعليا ، مواجهة مركزها قضية دمج الدعم السريع ، حدث ذلك رغم أن قضية الدمج أمر متفق عليه في الإطاري وهذا ما يشير إلى التعقيدات التي كانت خافية..

(3)

قضايا الساحة السياسية ، وخلافاتها وصراعاتها في عمومها تبدو معقدة للغاية، وهي في الواقع ليست كذلك، والناظر إليها يدرك بوضوح أن كل الخلافات السياسية الحالية هي خلافات بسيطة خالية من التعقيد، ويمكن حلها في جلسة سودانية على مائدة طعام أو كباية شاى أو فنجال قهوة..لأنها في طبيعتها غير معقدة، وغير مستعصية على الحلول، وإذا نظرت إليها من بعض الزوايا تجد أنه لا مشكلة أصلاً، وإنما مجرد خلافات حول السلطة والمناصب تستعصم وتتذرع بقضايا وشعارات وهمية… والتوصيف الحقيقي للمشكلة السياسية في السودان هو أنها في الأول والآخر قضية صراع على السلطة التي هي الوسيلة الحاسمة للسيطرة على الموارد والمال أو مصلحة ما أو احتماء بالسلطة من أمر ما …

(4)

السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه بقوة هو لماذا تبدو الخلافات السياسية معقدة وغير قابلة للحل ومستعصية على كل المحاولات للدرجة التي أصابت الناس بالإحباط، رغم بساطتها و ومكانية حلها في أسرع سانحة للتفاوض والحوار ..؟ والإجابة عن السؤال أعلاه تكمن في أن الذين يمسكون بخطام السياسة في السودان ليسوا سياسيين ولا تنطبق عليهم صفات السياسي المحنك الذي عركته التجارب، وليس من بينهم السياسي مستودع الحكمة والتجرد ونكران الذات،ولا السياسي الوطني الذي يقدم مصلحة شعبه ووطنه على مصالحه الشخصية والحزبية..الساسة الموجودين الآن على خشبىة المسرح، جاءوا للسياسة مضطرين لتحقيق مآرب وأهداف وأجندة مختلفة وبمفاهيم أكثر إختلافاً،يمارسون السياسة بعيداً عن الحكمة،والتجرد ونكران الذات وبعيداً عن الأهداف الوطنية العليا…

(5)

طبقاً للأسباب أعلاه كان هذا الصنف من الساسة الإضطراريين وبالاًعلى الساحة، فكانوا مصدر تعقيد لقضايا غير معقدة، وكانوا مصدر تجهيل وتضليل لقضايا تحتاج المعرفة، وكانوا بؤرة عتمة لقضايا بسيطة تحتاج القليل من الإستنارة..بهذه الصفات عقدوا القضايا البسيطة فأصبحت مستعصية على الحل لأن القائمين عليها هم مصدر تعقيد للمشكلات والخلافات ..

وإلى جانب الساسة الإضطراريين يوجد عسكريون يمارسون السياسة الأبوية بلا هدى ولا كتاب منير يختزلون أمن البلاد والعباد في أمنهم الشخصي ، وسيادة البلاد في سيادتهم الشخصية وسطوتهم واحتكارهم لكل السلطات، فكيف بالله أن تُحل قضايانا مهما كانت بسيطة طالما أن الممسكون بشفرتها يعقدونها ويصبون على نيرانها الزيت ….. اللهم هذا قسمي فيما أملك.. نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة