الفنانة تغريد العشرة.. مع التحية والاحترام
من السهل ان ينظر البعض منا للاعتداء الذي تم على الفنانة تغريد العشرة على انه حالة فردية تُـفسَّر في سياق الحدث نفسه، لكن الأجدى ان يتم التعامل مع هذه الحادثة بصورة أوسع تصطحب نظرة البعض القاصرة لبعض النساء اللاتي يمتهنَّ مهنة الغناء الشعبي او “غناء الحفلات”.
علينا اولا ان لا ننسى ان المهن الفنية عموما – ومهنة الغناء خصوصا – هي مهن لا تقل في أهميتها عن المهن الأخرى كالطب والتعليم وغيرها، بل بالعكس، أعتقد انها ذات طابع أسمى لقدرة الفنان من خلالها ان يلمس قلوب الآلاف من الناس ويأخذهم لعوالم انسانية بهيجة. كما علينا ان لا ننسى ايضا ان الغناء والموسيقى والرقص هم جزء أساسي ومهم جدا من ثقافة الشعوب المختلفة، وتطورهم بما يناسب الزمان والمكان هو أمر لا يجب “توجيهه” او “تحجيمه” ليناسب تصوراتنا عن “شكل” الفن الذي يجب تقديمه، فـ “لكلِّ فولةٍ كيَّالْ”.
لكن للأسف الشديد.. يجنح البعض منا للاعتقاد بان غناء الحفلات او “الزنق” هو مهنة ذات صبغة “غير حميدة” للسيدات في هذا المجتمع المحافظ والذي قد يرفض عمل النساء في بيئة بها كثير من الرجال (ملحنين وعازفين وفرقة ومعجبين) وقد يستهجن الرقص المصاحب لهذه الحفلات. ومحصلة هذا هو وجود الكثير من التصورات المغلوطة عن هؤلاء النساء وعن حياتهن وقيمهن وتعاملهن مع الناس، وحتى عن ذكائهن وقدراتهن العملية والادارية (رغم ان النجاح في اي مهنة (وبالأخص الاستمرارية في النجاح) هو أمر يتطلب الكثير من العمل الشاق والحكمة في اتخاذ القرار).
اذا بحثنا في ماهية هذا “الاستهجان” سيتضح لنا “زيف” جزء كبير منه وعدم موضوعيته، فان نظرنا للمجموعات صاحبة “الأعلى متابعة” على مواقع التواصل الاجتماعي سنجد ان المركز الأول سيكون للفنانات بلا منازع، حيث يفوق عدد متابعي صفحاتهن عدد المتابعين للصفحات الرسمية او الاخبارية او صفحات الاحزاب السياسية او الشخصيات القيادية. وعدد كبير من الأشخاص الذين يوجهون الانتقادات السلبية للفنانات تجدهم أول المتسابقين عليهن لالتقاط صور شخصية (سيلفي) معهن اذا جمعتهم الصدفة في ارض الواقع.
تحتاج طبيب/ة أسنان لمعالجة أسنانك وتحتاج فنان/ة لابهاج حفلك، والحقيقة ان للفن والفنانين والفنانات مكانة خاصة في قلوب الشعب السوداني، لكن أعتقد أن الصبغة السالبة التي تلقي بظلالها على الفنانات (دون الفنانين) والتي تشمل الاتهام بـ “الجرأة أو “الانطلاقة” (مع الاعتذار للأخوات الفنانات على تكرار المصطلح) واستخدام مصطلح “قونة” (بمايتبعه من مدلولات مجتمعية) والتعدي اللفظي والجسدي عليهن ماهو الا امتداد لنظرة بعض افراد المجتمع القاصرة للنساء بصورة عامة (وفي هذا المجال بصورة خاصة) والتي تتسرع لالقاء الاتهامات عليهن دون دليل ونشر الاشاعات عنهن وفرض الوصاية عليهن لدرجة قد يعتقد فيها شخص “”غريب”” تماما ان من حقه ان “يضرب” او “يؤدب” او يشتم (في أرض الواقع او على وسائل التواصل) فنانة لاعتقاده ان رقصها وغنائها يمنحه الضوء الأخضر للتعدي احيانا والتحرش احيانا اخرى.
ليس هناك اي مبرر لهذا الفعل على الاطلاق!!! وكل التضامن مع الفنانة تغريد العشرة وأتمنى ان ينال المتعدي جزاءه بالقانون.
✍️ د. مروة بابكر