محمد أحمد الكباشي يكتب: مأساة طفلة بورتسودان
لأنها طفلة لم يتجاوز عمرها العامين ولأن أسرتها بسيطة وعلى قدر حالها كحال أهل الريف تضيع حقوقهم هدراً دون أن يسمع بها أحد، فمثلها كثيرون إنتهت مأساتهم على طريقة (تلقوها قدام) و (باركوها) ما في ذلك شك، ونعم بالله الذي لا يظلم عنده أحداً، لم أتوان في أن أكتب عن هذه الطفلة وعن قصتها المؤلمة، ونحن نعيش في زمن اللامبالاة وزمن إنعدام الضمير والتغول على المهن بلا كفاءة ولا خبرة، حتى أن كانت هذه المهنة مهنة الطب، إلا من رحم الله، خوفاً من أن تموت قضيتها وكأن شيئاً لم يحدث لها، ولكنها في الحقيقة تعرضت إلى خطأ طبي شنيع ربما لا يحدث من شخص لا علاقة له بالطب، وكان نتيجة ذلك أن تم بتر يدها.
وبدأت تفاصيل مأساة الطفلة (حواء) حيث تسكن أسرتها بمنطقة أربعات شمال غربي بورتسودان، وعندما إشتدت عليها حالة إلتهاب مع إرتفاع في درجة الحرارة لم يكن أمام والديها إلا أن يتوجها بها إلى أحد المستشفيات العريقة ببورتسودان. وهناك مكثت زهاء ثلاثة أسابيع، وبعد إجراءات الفحص حدد الطبيب نوع المرض الذي تعاني منه اليافعة (حواء)، وكأمر طبيعي شرعت إحدى الممرضات في تركيب (فراشة) للطفلة تحت صراخها الذي ملأ المكان، وقد جرت محاولات كثيرة ولكنها تفشل في كل مرة، مما زاد آلام وأوجاع (حواء)، بل إنتقلت المعاناة إلى والديها، ولم يكن بمقدرهما إلا الإمتثال لمحاولات (السستر) دونما رأفة أو رحمة، وعندما فشلت كل محاولاتها استسلمت للأمر، والأدهى أنها طالبت والد الطفلة بأن يذهب بها إلى عيادة خارجية لتركيب الفراشة، وبالفعل حملها إلى خارج المستشفى، وفي أقل من دقيقة تم تركيب الفراشة على اليد اليمني، ولكن ذلك كلفه مبلغ خمسة آلاف جنيه كان في أشد الحاجة إلى أن يصرفه في العلاج وليس في تركيب فراشة تعجز ممرضة تم تعيينها بالمستشفى عن تركيبها، ولا أدري في أية جامعة أو كلية تخرجت.
وتمر الأيام وحالة الطفلة البريئة تزداد سوءاً إلى أن تغير لون يدها إلى الأسود وبدأت تتورم مع نزيف واضح. ولم يكن أمام والد الطفلة غير الذهاب إلى الطبيب ليحكي له الحالة التي وصلت إليها إبنته، وكانت النتيجة صادمة لوالدي الطفلة وأنها بحاجة إلى عملية عاجلة، ومن المؤسف أنه لم تكن هنالك عمليات بالمستشفى الذي تتعالج فيه، حيث تم تحويلها إلى مستشفى عريق، وذلك يوم الخميس الماضي، وهناك قرر الطبيب إجراء عملية بتر عاجلة لليد اليسرى، وبالفعل تمت عملية البتر والطفلة لا تدري ماذا حدث لها. وتتواصل رحلة المعاناة مع هذه الأسرة، فالمستشفى لم يتوفر فيه تنويم، ليعودوا ثانيةً إلى المستشفى الكارثة، وهنا قمة المبالاة عندما أخطر والد الطفلة إدارة المستشفى بما حدث، لترد عليه الإدارة بأنه لا علم لها بما حدث.
والآن باتت الطفلة حواء بلا (ذراع) نتيجة خطأ طبي، ولم يتم التعرف على صاحبة الخطأ الذي وقعت فيه، اللهم إلا بعد أن يتم التحقيق من قبل إدارة المستشفى، وحسناً فعل والد الطفلة أن إتجه لمقاضاة من تسبب في هذا الإهمال ونأمل أن يجد العقوبة الرادعة.
وبعد المنشور الذي كتبته الزميلة سعاد على صفحتها بـ (فيسبوك) تفاعل كثيرون مع حالة الطفلة، ولكن لا يفوت علينا هنا أن نبعث برسالة إلى وزير الصحة بالولاية إبراهيم ملك الناصر، أن تقف الوزارة إلى جانب الطفلة والشروع في عمل طرف صناعي، وقبل ذلك محاسبة من تسبب في هذا الأذى الجسيم.
صحيفة الانتباهة