مقالات متنوعة

بخاري بشير يكتب: أدركوا البلد.. قبل إنهيارها!


لا شك أن السودانيين يعيشون أزمات اقتصادية متصاعدة، لم يألفونها في الماضي القريب.. حيث كان اقتصاد الدولة متماسكاً ونامياً، ومعتدلاً، ويحقق نسب نمو جيدة.. لكن منذ إنفصال دولة الجنوب في عام 2011م، بدأ الاقتصاد القومي السوداني في (التراجع) بعد فقده إيرادات البترول.
تزايدت الضغوط الاقتصادية على السودانيين، وبدأ المواطن يشعر بها في معاشه اليومي، بسبب تآكل قيمة الجنيه وفقده للكثير من قيمته، وأيضاً لم تكن البلد في حالة (مزدهرة) في مجالات الزراعة أو الصناعة أو الثروة الحيوانية.. فطريقة نمو هذه القطاعات كانت (بدائية ومتخلفة) ولم تستصحب معها التطورات التقانية والعلمية التي يستخدمها العالم من حولنا.
ظهر التراجع في كل شئ، وبدأ الإنهيار السريع يطفو إلى السطح، ومن شدة التراجع حدثت إحتجاجات عام 2013م التي كانت أسبابها الرئيسية اقتصادية ، وبعدها بدأ البشير يشدد قبضته الأمنية، وتصاعد الإحتجاجات وبلغت ذروتها في عام 2018م ولم يجد حينها أعضاء لجنة البشير الأمنية بداً من الإطاحة به، والإصطفاف داعمين للتغيير الذي قاده الشباب.
لم يكن الاقتصاد السوداني بعد عام 2011م في حالة مستقرة، ولكنه ظل في تراجع.. وساعد في ذلك العقوبات الكثيرة التي كانت مفروضة على نظام البشير.. وأصبح الجنيه يتناقص لدرجة كبيرة أثرت على معاش الناس المواطن، وتدنت الدخول وتفشت البطالة، وإنتشرت ظواهر (قبيحة) كالرشاوي والوساطات وغيرها.
ما بعد 11 أبريل 2019 تفاءل السودانيون بإقتراب (فجر الخلاص)، ومجئ عهود الاستقرار والإنتاج والرفاه والتنمية.. إلا أنه حدث العكس، فالسنوات التي أعقبت الثورة كانت (الأصعب) على الاقتصاد منذ 2011م.. أصبح الإنهيار (سريعاً)، وفقد الجنيه 85% من قيمته.. قد أصبح سعر الدولار في السوق السوداء –قبل يومين- يوازي (605) جنيهاً، وهذا رقم (خرافي).. والسبب المباشر فيه هو (الإختلال) الكبير في الميزان التجاري.. فقد ذكر أحدث تقرير للبنك المركزي أن العجز التجاري بلغ في 2022م أكثر من (6.7) مليار دولار، وهو أعلى عجز سُجل خلال الـ (10) سنوات الأخيرة وقال تقرير البنك إن مجموع ورادات البلاد (بلغت 11 مليار و94 مليون و849 ألف دولار، فيما بلغ مجموع الصادرات 4 مليار و357 مليون و418 ألف دولار).
تزايدت (حدة الفقر) بين الناس، ولم تفلح وزارة المالية وبنك السودان في استصدار سياسات مالية تساعد على حالة الاستقرار للعملة المحلية.. رغم النجاح الذي تحقق في الفترة الماضية وحالة الاستقرار المعقولة لأسعار العملات الصعبة.. ثبات سعر الدولار يحتاج لمعادلات في السياسة (النقدية)، وينبغي أن يسرع بها خبراء الاقتصاد لأولي الأمر، قبل فوات الأوان.. ونخشى أن يبلغ (الجنيه السوداني) مرحلة أن يكون غير مبرئ للذمة.
التدهور المريع في اقتصاديات الدولة، والتزايد القاسي في معدلات الفقر لم يشهده السودان منذ استقلاله، فالسوداني اليوم كاللاجئ في بلده، هو مواجه بفرض أتوات قاسية وفوق طاقته، مع إنعدام (شبه تام) لكل الخدمات الضرورية، وأصبحت فكرة الهجرة تراود الكثيرين، هذا إذا لم يكونوا قد هاجروا بالفعل.
لسان حال السودان اليوم (ياحيلل زمن الإنقاذ- وياحليل نميري- وياعبود ضيعناك وضعنا وراك.. وآخرين أكثر تشاؤماً ظلوا يحنون لفترة الاستعمار الإنجليزي نفسه).. أنا على يقين إذا لم تتدراك السلطة الحالية ونخبنا الماثلة الوضع قبل استفحاله فأننا ماضون في طريق (ذهاب الدولة) نفسها.. وليس أدل على ما أقول من تقريرالبنك المركزي، أوأكثر من عجز وزارة المالية من سداد المرتبات.

صحيفة الانتباهة