أبرز العناوينرأي ومقالات

الهندي عزالدين: الرسالة الأخيرة إلى الفريقين “محمد” و”عبدالرحيم” دقلو


*لا نريد صداماً بين الجيش والدعم فالخاسر الوطن .. والبرهان لا يملك سهماً في بنك أو برجاً في الخرطوم*

*القضية ليست (رجالة) و (لا فراسة) ولا أحد في السودان يجهل شجاعة حميدتي وعبدالرحيم*

ارتكب الفريق عبدالرحيم دقلو خطأً جسيماً أمس وهو يخاطب قيادته العسكرية، في شأن البلاد، من على منصة حشد قبلي بقاعة الصداقة بالخرطوم.

ما كان لضابط ملتزم بأسس وقواعد وقانون المؤسسة العسكرية أن يقول على الهواء ما قاله، محذراً ومتوعداً قائده الأعلى (القائد العام للقوات المسلحة السودانية) وهو يخوض في معترك سياسي ليس مكانه حشود القبائل، بل قاعات الجيش المغلقة في اجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

قال الفريق دقلو :(عندنا رسالة لإخواننا في السلطة، سلِّموا السلطة للشعب بدون لف ولا دوران، ومن اليوم فصاعداً لن نسمح بقتل الشباب المتظاهرين، ولن نسمح بأي إعتقال للسياسيين.

الفي صدورنا كثير والصامتين به كبير، وما دايرين نبقى سبب).
هل الفريق عبدالرحيم دقلو خارج السلطة حالياً ؟ هل هو زعيم سياسي من أحزاب المعارضة ليقول ما قاله في الهواء الطلق ؟ هل هو قيادي في تحالف الحرية والتغيير أم ضابط رفيع في قوات تتبع للجيش وفق ما قرر قانونها ؟

في يناير 2019 والمظاهرات مستعرة ضد النظام السابق ، كتبتُ مقالاً تم تداوله على نطاق واسع بعنوان (الثوار .. أولاد الكيزان) ، حذرتُ فيه أبناء وبنات قيادات نظام الإنقاذ من الانسياق وراء شعارات وهتافات (تسقط بس)، حيث انتظم المئات من أبناء قيادات بارزة في المؤتمر الوطني، وبنات وزراء ووزيرات وضباط كبار في الجيش وجهاز الأمن في الحراك الشعبي المطالب بسقوط النظام، وقد كانت لافتات مظاهرات بحري تتسلل خلسةً من بيت مسؤول إسلامي كبير، وكانت كريمة وزيرة الرعاية الاجتماعية تخرج في (لايف) من خارج السودان تدعو لسقوط البشير، بينما ألقى جهاز الأمن القبض على اكثر من (مئة) شاب من أبناء المسؤولين بالحزب الحاكم والدولة ذات موكب من مواكب ثورة ديسمبر 2018.

في ذلك المقال حذرتهم من أن آباءهم سيُلقى بهم في السجون دون محاكمات، وتُصادر بيوتهم وممتلكاتهم وسياراتهم(لم أكن أتوقع أن تُصادر حتى نظاراتهم الشمسية كما حدث لنظارات السيد عبدالباسط حمزة) !!

رد عليّ وقتها الشاب محمد نافع في بوست على فيس بوك قال فيه : (المكتولة ما بتسمع الصايحة يا الهندي عزالدين) !!

كانوا يظنون – وبعض الظن إثم – أن البشير سيذهب وحده وأسرته ، ويبقى النظام أو تنتقل الدولة سريعاً إلى نظام ديمقراطي عادل !!

لماذا ألومهم وقد كانوا يُفّعاً في دنيا السياسة، فقد ظن ذات ظنونهم البريئة كبار جنرالات الجيش وجهاز الأمن في ما سمي (اللجنة الأمنية) .. يا خسارة دورات وزمالات الاستراتيجية والمخابرات !!

لكنني كنتُ أرى ما جرى بعد 11 أبريل رأي العين البصيرة، ولذا كان رأيي المرفوع للرئيس البشير في مقالات وتغريدات أن سلِّم السلطة لرئيس الأركان ومجلس عسكري، مع إعلان واضح لا لبس فيه أنك لن تترشح في 2020 ، و أن يكون المجلس العسكري سلطة انتقالية لاقل من عام تقوم بعدها انتخابات عامة حرة ونزيهة وشفافة، يدخلها المؤتمر الوطني مثله مثل الحزب الشيوعي دون أدنى امتياز أو مال من الدولة. وإذا كان 16 مرشحاً مستقلاً قد نازلوا الحزب الحاكم في أوج سلطته وعزوته وهزموه في دوائر انتخابية مهمة، فما المانع أن يهزمه تحالف أحزاب المعارضة في أكثر من مئة دائرة !! هكذا يكون التداول السلمي للسلطة من وجهة نظري.

لم يسمعوا ولم يعووا .. وحدث في السودان ما حدث .. والجميع يعلم ويشعر .. يُفلِس ويجوع !!
اليوم .. أنا أحذر الفريقين الأول محمد حمدان و الثاني عبدالرحيم من السير في ركاب ساسة وناشطي (قحت) وقوى خارجية متآمرة، توهماً أو ظناً آثماً بأن في الاتفاق الإطاري مخرجاً لهما وأماناً من المجتمع الدولي وخيراً للدعم السريع، فإنني أراهما رأي العين مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان والفريق أول شمس الدين كباشي في سجن كوبر، في ذات الزنازين التي حبسوا فيها المشير البشير واخوانه.

طالب الفريق عبدالرحيم دقلو قيادته العسكرية بتسليم السلطة للشعب !!
يا لها من دعوة حق رائعة وعظيمة ، ولكن من هم ممثلو الشعب ؟ المجلس المركزي للحرية والتغيير؟
هل ما زالت تظن يا عبدالرحيم .. أن طه اسحق وخالد سلك وياسر عرمان وعبدالباري هم ممثلو الشعب ؟ ولماذا ظلت المواكب تخرج من باشدار إلى شروني ضد الاتفاق الإطاري ؟ ولماذا طرد الثوار عرمان وخالد وإبراهيم الشيخ من المواكب وهتفوا ضدهم (قحاتة باعوا الدم) !
إن هذه المواكب التي سقط فيها آخر شهيد بشرق النيل هي ضدك انت يا عبدالرحيم وضد شقيقك محمد حمدان وضد البرهان وضد الحرية والتغيير ، فإن لم تكن تعلم، فارسل من يسأل الشيوعيبن والبعثيين وجماعة الجذريين ، يأتيك بالخبر اليقين.

إنني ضد أي تصادم بين الجيش والدعم السريع ، لأن الخاسر الأول هو الدعم السريع وقيادته ، والخاسر الكبير هو الوطن وأمنه واستقراره. فإن انطلقت المدافع تدوي في سماء الخرطوم وزمجرت الدبابات وانهارت البنايات وسقطت البنوك ونُهبت خزائنها ، فإن الفريق أول عبدالفتاح البرهان لا يملك سهماً واحداً في بنك، ولا نعرف له أبراجاً في الخرطوم يخشى عليها، سوى خشيته العامة من واقع مسؤوليته الوطنية كرئيس للدولة وقائد للجيش.

إن أسرة (آل دقلو) هي أثرى أسرة في السودان – زادهم الله من نعيمه – وخراب الخرطوم وحريقها يضر أصحاب الثروات أكثر ما يضر الفقراء والمساكين سكان بيوت الطين ، فلو أن هناك حمقى في الجيش يريدون المواجهة ، فالأولى أن يحرص (آل دقلو) على التهدئة والسلام، فالقضية هنا ليست (رجالة) أو (فراسة) ولا أحد في السودان يجهل فراسة وشجاعة الفريقين محمد (حميدتي) وعبدالرحيم، إذ تعرفهما المعارك وتشهد لهما البنادق، ونحفظ لهما دورهما الكبير في تأمين وحماية البلاد قبل وبعد الثورة.

إن الحرية والتغيير لا تمثل الشعب ، ولا الجذريون يمثلون واحد من ألف في الشعب ، فالأغلبية الصامتة في دارفور وكردفان وشرق السودان والجزيرة والشمالية والنيل الأزرق والأبيض هم الشعب، وهؤلاء كفروا بالحرية والتغيير بل كفروا بالثورة نفسها، ولعل في تقارير استخبارات الدعم السريع ما يؤكد زعمي هذا دون تدليس.

يجب أن تلتزم قيادة الدعم السريع بقرار قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أياً كان .. مع الإطاري أو ضده ولا تحيد عن مسار المؤسسة العسكرية و وحدتها ونظامها وقانونها.
أما الحل السياسي للأزمة المستفحلة ، فهو في اختيار شخصية قوية قومية غير حزبية لتشكيل الحكومة المقبلة من الكفاءات المستقلة، على أن تذهب قوى الحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية وبقية الكتل السياسية إلى التمثيل في المجلس التشريعي الانتقالي، والاسراع في الاستعداد لانتخابات رئاسية بأعجل ما تيسر .
*حفظ الله السودان وشعبه*.

الهندي عزالدين
*المجهر السياسي*