محمد احمد الكباشي يكتب: طبيب السوكي ورحيل طفلة بورتسودان
الراحل المهندس الطيب مصطفى عليه من الله الرحمة والغفران، له عبارات ذات مضمون عميق تحمل مكنون ما يشعر به من ألم وحزن تجاه قضية يراها قد تجاوزت الحدود، ومن ذلك قوله: (السودان بلد العجائب)، وعندما يبلغ الأمر مداه تراه يطلق زفراته الحرى بقوله: (.. يفري الكبد) ويقطع نياط القلب.
والآن كم من أمر تعج به الساحة يجعلنا نردد (السودان بلد العجائب، وكم من أحداث تفري الكبد وتهري المصارين وبلادنا تعيش مرحلة انعدام الوزن وتوهان البوصلة في كل شيء؟
قبل يومين تناولت عبر هذه الزاوية كارثة طبية تعرضت لها طفلة بأحد مستشفيات بورتسودان نتيجة خطأ طبي أدى إلى بتر يدها.
ونحمد لحكومة ولاية البحر الأحمر أنها تفاعلت مع القضية بعد النشر، وسارع الوالي ووزير الصحة بزيارة الطفلة والاهتمام بامرها بتقديم الدعم المادي وتبني رعاية الطفلة، لكن ارادة الله كانت نافذة فقد رحلت الطفلة حواء وغادرت الدنيا الى دار البقاء، لتدفع بتلك الأخطاء الشنيعة حياتها ثمناً، وقد خلفت وراءها سحائب من الحزن والجرح العميق على اسرتها وكل من سمع قصتها المؤلمة.
ورحيل الطفلة حواء يجب أن يفتح الأبواب مشرعة أمام التحقيق والمساءلة، ويجب الا يدفن ذلك مع صاحبتها كما ظل يحدث في كثير من الأحيان، وعموماً سنتابع هذا الملف، وهنا لا بد ان نشيد بدور الناشط المجتمعي والحقوقي محمد عبد القادر اوبشار، وقد عرف بين مجتمع البحر الأحمر بأنه رجل حقاني ويقف الى جانب الضعفاء الذين لا حيلة ولا قوة لهم للبحث عن حقوقهم.
وفي منحى آخر ومصيبة ثانية إذ لم تنقض المصائب والعجائب في بلدنا السودان، وعلي طريقة طبيب عطبرة المزيف وقصته الشهيرة التي سارت بها الركبان، بعد أن تم اكتشاف مهنته الحقيقية، فهو مجرد سائق ركشة مع كامل الاحترام والتقدير لسائقي الركشات ممن ينشدون الرزق الحلال، ولكن طبيب عطبرة المزيف (فات الكبار والقدرو) إذ كانت محصلة أدائه المزيف داخل مستشفى عطبرة نحو 300 عملية جراحية قبل ان ينكشف امره، لتظل هذه واحداً من أشهر أساليب التزوير المهني بالبلاد.
وعل ذات الطريقة وربما أكثر جرأة من سابقتها، فقد كشفت السلطات بولاية سنار قبل ايام عن طبيب مزيف بمستشفى السوكي يمارس مهنة الطب، بل تعدى الأمر لأن يصبح مديراً للمستشفى، وبالفعل انه السودان بلد العجائب.
أربعة اعوام محتال لا علاقة له بالمهنة يمارس الطب في وضح النهار، ومواطن السوكي المغلوب على امره يلهث خلفه طلباً للعلاج، وربما ظل ينتظره ساعات طوال، والطبيب بقناعه الكذوب يشخص ويكتب روشتة علاج بالضرورة أنها ضلت طريقها من العافية الى المرض وربما إلى المقابر، فكم تكون حصيلة ضحايا هذا المزيف من الإعاقة الى الموت؟
أعجبتني صراحة والي سنار العالم ابراهيم وهو يكشف حقائق صادمة حول طبيب السوكي المزيف، ويقول إن من كشف دور الطبيب هو الاستخبارات قبل أن يهرب عبر سيارة إسعاف، وقد سبق ذلك باستقالة من المنصب وتم قبولها على عجل، وهذا أمر يفتح الأبواب أمام سيل من التساؤلات، ومن هنا لا بد من تتبع هذه القضية التي كادت تموت دون أن يشعر بها أحد لولا يقظة الاستخبارات.
وما بين وفاة طفلة بورتسودان الى تراجيديا طبيب السوكي نظل في وضع الاهمال واللامبالاة، وقديماً قيل: (من أمن العقوبة أساء الأدب).