عبدالحفيظ مريود يكتب: قطرتان من مطر مالح
ذلك حنظل لا يستطيع أحد تجربة مرارته بالوصف، لا بد أن تكوني قد وصلتي إلى المرحلة العمرية التي تؤهلك له، ربما تستطيعين – بكدح الخيال – أن تقتربي من معناه، لكن أن تتجرعي مرارته، فمحال، وأنت في شرخ الشباب.
شايفة كيف؟
ما الجوهري في الحب؟
أن نظل ممسكين بهاتفينا ساعات طويلة، من منتصف الليل، حتى صلاة الفجر، أسمعك حلو الكلام، أتغزل في محاسنك، أعدد صفاتك، هوسي بضحكتك، أكرر “بحبك.. بحبك”، كل نصف ساعة؟ أن أظهر غيرتي عليك، لزم الأمر أم لم يلزم؟ أن أسترضيك، كلما غشيتك نوبة “زعل لأتفه الأسباب”، حتى ولو لم أكن مخطئاً؟
لذلك ما زلت مصراً على أنني “أحبك حباً فوق تصورك”..
كنت أقول للحلبية “إن الرجل الذي تبحثين عنه، غير موجود داخل هذا القميص الذي أرتديه”. تزعل، وتجهش بالبكاء.. ذلك يعني أنني لا أحبها، إذ ترى كل طلباتها شيئاً يسيراً، يمكن تلبيته، “إذا كنت حريصاً علي”..
لكن “تيفة” عاقلة.. حين يتملكها الغضب “زول في الستين من عمرو.. حب شنو ليهو لو ما العوارة؟!”..
أضحك.. لو أن حبي موجهاً ناحيتها، لما كانت “الستين” مشكلة.. (في الواقع أنا في الثالثة والخمسين).. لكن طالماأن حبي موجه إلى أخرى، فهو مجرد “عوارة”.
لكن الحلفاوية تعرف رهقي، وجعي، تنهمر حناناً حين يكون الوقت وقتها.. تعرف – لمجرد النظر إليك – في الثانية الأولى من اللقاء، أنك تخفي خدشاً طفيفاً في جهة ما “الجرحك شنو هنا يا ود؟”.. تعرف أن ما يقتلك هو الحنان.. ومع ذلك، فإن عليها أن تغادر حين يجب عليها أن تغادر..
تضعك في مهب ريح أخرى.. رياح أخريات..
بعد وقت ستكتشف أن الرياح لم تترك أثراً عليك.. لقد عبرتك الرياح – ودائماً ما تفعل – فيما أنت وتد عميق الغور.. تلفح وجهك، ثم تمضي..
تعرفين شيئاً؟
ستعرفينه، لاحقاً، على وجه دقيق..
لكنني سأبوح لك به:
ماذا يريد الرجل من امرأته؟
أن تكون جميلة، أنيقة، لافتة للنظر، يغازلها القريب والبعيد، الكبير والصغير، أن تكون مثقفة، ماهرة في الطبخ، اجتماعية، تحتفي بأهله وأصدقائه؟
لا أظن.. لا أعتقد.. لا أتصور أن تلك مطالب الرجل..
يريدها أن تكون كهفه.. سقفه.. مأواه، ومستقره..
كم امرأة برأيك تعرف ذلك؟
لا يهمني..
ما يهمني هو أن تعرفي أنت ذلك..
وهو ما لن يتوفر لك إلا أن تغوصي في أنوثتك.. فيها تماماً.. ما يختلط عليك هو الفوضى.. الفوضى التي تجعلك غير قادرة على إدارك ما فاتك..
ما هي مقاتل النساء؟
الطموح؟ الرغبة في السيطرة؟ البحث عن المجد؟ المساواة؟ أن تكون رجلاً؟ كل ذلك؟
لا بأس..
شايفة كيف؟
الذرائع هي العجز عن أن نكون.. هي العجز عن معرفتنا بأنفسنا.. بافتقارنا إلى نكون نحن.. في الصعود المستمر إلى قمة الجبل، قمة الطموح، تسقط الأشياء الصغيرة التي قد لا تنتبهين إليها.. يفوتك شيء جوهري وحارق، لكن يكون الأوان قد فات لالتقاطه.. لن يكون في إمكانك أن تنحني لجمع الأشياء الصغيرة التي سقطت..
وذلك ما يجعل البقاء العلاقات – وهي على هذه الحال – ضرب من العبث..
حسناً..
ما الذي أحتاجه؟ ماذا ينقصني؟
هذان سؤالان يظلان شغلاً شاغلاً لمن يحبك، المرأة التي تحبك هي التي تنشغل باحتياجك وما ينقصك.. لتكون مكتملاً.. لأن “كمالك” هو – في القراءة الدقيقة – كمالها.. والعكس صحيح، بالطبع.
من يفكر فيك، هكذا، على أن كمالك هو كماله، هو من يحبك حقاً، يا عزيزتي.. ماذا ينقصك؟ ما الذي تحتاجين إليه؟ سيفعل ذلك، حتى ولو كان ما تحتاجينه، تحديداً، هو اختفاؤه من حياتك.
شايفة؟
ما “الكمال” الذي أتحدث عنه، وفي الأصل، ملؤنا النقص والافتقار؟
حين يتقدم بك العمر، تخوضين لجة التجاريب، سيقع لك هول الأخطاء التي نرتكبها ونحن في شرخ الشباب.. سوء التقديرات، التسرع، الجري وراء السراب..
ثمة معضلة في “ميزان المشهد” باللغة السينمائية.. خلل واضح لا ينبغي للمخرج المحترف أن يقع فيه..
كان تساؤل محمد سعيد العباسي، جزءاً من الحنظل ذاك، الذي أشرت إليه:
يا بنت عشرين، والأيام مقبلة *
ماذا تريدين من موعود خمسين؟
يمكن لانفلاتات قليلة أن تحدث شارلي شابلن وزوجته بينهما فارق عمر وصل ثلاثين عاماً.. كاثرين زيتا- جونز وزوجها، مايكل دوغلاس، كذلك.. في القرى السودانية تتوفر نماذج أصدح.. لكن الغالب أن يشكل العمر أزمة بين الطرفين.
شايفة كيف؟
على أن الصرعى والمجروحين ممن هم في أعمار متقاربة أكثر.. فجأة يتلاشى الشغف.. تصبحين ذات يوم فتجدين أن الشخص الذي أحببته ذهب إلى غير رجعة.. تتلاشى الضحكات، الشوق، اللهفة، الدموع، الحنين، الاهتمام، وكل شيء.. ذلك ما جعل محمد المهدي المجذوب يتساءل، منكفئاً على الجرح:
أفي كل حين ترحة، بعد ترحة *
وصب على باب الحياة صريع؟
وذلك في قصيدته المرمرية، التحفة الباذخة، والتي مطلعها:
رجاؤك شتى، والهموم جميع*
أما لك إلا الذكريات ربيع؟
هل أنا جاد في هذا؟ أحدثك عن المجذوب، العباسي، صلاح والجماعة ديل؟ هل هذه ونسة حب؟ أين الرومانسية؟ أين الحنك هنا؟ أين الأين زاتو؟
شايفة؟
المهم…
بكل الحب:
كوني طيبة، محفوظة، ومتقدمة..
فذات يوم سيظهر – من الفجر البازغ ذاك – فارس أحلامك النبيل.. وقريباً، حسب شوفي.
و…
مع السلامة
صحيفة اليوم التالي