مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: متى نحترم المعلم؟


إذا تمت المقارنة بين المعلم، وبين رجل يلبس ثيابا فخمة وغالية فقد ظلمنا المعلم غاية الظلم.
إذا تمت المقارنة بين المعلم وبين رجل يركب سيارة فارهة، فقد ظلمنا المعلم غاية الظلم.
إذا تمت المقارنة بين بيت المعلم، وبين عمارة شامخة مزانة بأثاثات قمة في الفخامة والحداثة، فقد ظلمنا المعلم غاية الظلم.
فالمعلم بسيط غاية البساطة في ملبسه وفي مركبه وفي مسكنه.
إن كنا نريد أن ننصف المعلم، فلننظر إلى عيني أطفالنا، فلا أحد يمنح هاتين العينين الذوق السليم.
لا أحد يمنح هاتين العينين التوظيف الصحيح لهما.
لا أحد يمنح هاتين العينين البهاء سوى المعلم.
لا أحد يجعل أذني أطفالنا يتمتعان بالذوق السليم.
لا أحد يقبح القبيح ويجمل الجميل لأطفالنا سوى المعلم.
لا أحد يصبر ويعالج الخطأ الذي يعلق بأطفالنا سوى المعلم.
إذا نظرنا إلى موبايل المعلم مقارنة مع موبايل السمسار سنحقر المعلم ونستخف به.
إذا نظرنا حتى إلى ملامح المعلم مقارنة مع ملامح مستثمري الأموال.
مقارنة مع مستشاري الشركات والمؤسسات هؤلاء الذين يمارسون العمل في أجواء مكيفة تكييفا مركزيا سواء في مكاتبهم أو بيوتهم أو جلساتهم الخاصة أو سياراتهم، فقطعا سنحقر المعلم غاية التحقير..
عظمة المعلم مختلفة غاية الاختلاف عن هؤلاء.
عظمة المعلم تكمن في اللحظة التي ندفع فيها بفلذات اكبادنا إلى هذا المعلم لمدة لا نستطيع نحن أن نتحمل هذه المدة ولا نصفها ولا عشرها من أجل أن نقوي هؤلاء الأبناء بكل صفة حسنة يتصف بها الإنسان.
من أجل أن نزيل عنهم كل صفة سيئة يتصف بها الإنسان.
عظمة المعلم تكمن في أن نعم الإنسان إذا وضعت كلها في كفة ووضعت نعمة الأبناء في كفة لاخترنا نعمة الأبناء.
نترك مالنا وثرواتنا وعقاراتنا ومكانتنا مهما سمت ونختار نعمة الأبناء بلا أدنى تردد.
ولا أحد يرعى هذه النعمة سوى المعلم.
لا أحد يطور هؤلاء الأبناء، ولا أحد يحفظ هؤلاء الأبناء سوى المعلم.
لا ننظر إلى المعلم وهو يحمل كيسا بسيطا لأبنائه، فبهذه النظرة سندمر فلذات أكبادنا.
لا ننظر للمعلم وهو يتنقل بوسائل المواصلات، فهذه النظرة سنحطم بها مستقبل أبنائنا.
انظروا إلى المعلم في كونه المحار الذي يحفظ الجوهرة.
انظروا إلى المعلم على أنه الجهة والجهة الوحيدة التي تبني عقول أبنائنا حينئذ سنسخر من تلك السيارات التي لا يمتلكها المعلم.
حينئذ سنسخر من تلك البنايات الضخمة التي لم تكن من ضمن أملاك المعلم.
حينئذ سننظر للمعلم وكأن بيته البسيط قصر.
حينئذ سننظر لبساطة آنية وأثاثات بيت المعلم كأنها تحف عظيمة لا تقدر بثمن.
من كان ظمآنا وعرضت عليه ماء وذهب فسيختار الماء.
من كان مريضا وعرض عليه دواء وأرتال من الأموال سيختار الدواء.
قد يقال سنختار الذهب لأن الذهب سيجلب الماء.
وقد يقال سنختار المال لأن المال سيأتي بالدواء.
نعم سيأتي الذهب والمال بالماء والدواء لكنهما لا يحلان محلهما.
لايقومان بوظيفتهما،
فكذلك المعلم لا أحد يحل محله.
فلتقتنوا الذهب.
ولتقتنوا الأموال.
لكن هذا الذهب وهذه الأموال لن تقوم بمهمة المعلم وبالتالي، فهو قطعا أغلى منهما سواء تم الاعتراف بذلك أو لم يتم.

صحيفة الانتباهة