مقالات متنوعة

د. معتز صديق الحسن السجن الجماعي لمزارعي “القضارف”


# في سودان الزراعة وعبارة سلة غذاء العالم والمتحققة فقط تمنّيًا وأقوالًا في قاعات المؤتمرات تحت هواء المكيفات الباردة والمكذوبة وعدًا وأفعالاً في مساحات الحقول.

# فتلك العبارة المستهلكة إنشائيًا في محافل الأكاذيب للاكتفاء العالمي بينما واقعنا يؤكد أننا فاشلون بل حتى عاجزون عن إنجازها ولو على مستويات الاكتفاء المحلية.

# لأن الزراعة عندنا محليًا وبدلًا من أن تقود إلى الثراء فهي تأخذ بأيدي المزارعين إلى الفقر ولا تكتفي بذلك بل تسعى لرميهم -وبلا شفقة وبلا رحمة- في غياهب السجون.

# ومصداق ذلك ما حدث في هذا الموسم والمبرهن على أن أقرب الطرق المؤكدة -في هذا البلد- لدخول زنازين السجن الممارسة للزراعة عامة والقمح والبصل خاصة.

محتوى مدفوع

الصناعات الدفاعية تشارك بمعرض “صنع في السودان”

# فما ينفقه المزارع فيها بدءًا من تحضير الأراضي وحراثتها ثم سقايتها وتسميدها ونظافتها والعناية بها إلى أن يصل وعبر محطات عديدة إلى قطف ثمار حصادها.

# فكل ما سبق من خطوات فيها يكلفه الأموال الطائلة وعند خروج ثماره للسوق فلا طائل منها إذ يجد نفسه -ولوحده- متورطًا في البيع بالخسارة ولعشرات المرات.

# مما يجعله يترك حصاده في حقله بلا حصاد لأنه وبأقل الحسابات يصل إلى أنه لا يستطيع تحصيل العُشر فيما أنفقه عليها ناهيك عن التفكير في جني الأرباح.

# والدليل عند المشاهدة لأحد “الفيديوهات” لمزارع وهو في وسط غابات سنابل قمحه الصفراء المنتجة لكنه ليس فرحًا بها وإنما يصب جام غضبه على وزير المالية.

# وذلك عند استعراضه السريع للأسعار العالية والغالية لزراعته تلك بينما الآن مثلًا سعر جوال القمح الواحد في السوق لا يتجاوز بالجديد مبلغ الــ (22) ألفًا من الجنيهات.

# ويضيف حتى البصل المزروع في ذات الحقل -وعليه كان “العشم”- هو مكلف جدًا في حين أن سعر جواله وفي السوق أيضًا يصل فقط إلى حوالي الــ (7) ألف جنيهًا.

# وأخيرًا ومن “الزعل” الشديد لانعدام أسعار تركيزية مشجعة من الدولة للزراعة يُلوّح بكلتا يديه ويغادر حقله غاضبًا وهو يردد: “أكان الشغلة كدا أها خليناها ليكم”.

# فبالله عليكم من المسؤول المستفيد من تردي هذا القطاع الاقتصادي الأول والمهم لدرجة إيصال الأيادي العاملة فيه إلى التنفيذ الفعلي للهجرة منه وإلى الأبد.

# وسيادة الدولة تقف “متفرجة” ومكتوفة الأيدي ولا تدعم المزارعين؛ فقط ما يهمها من زراعتهم استرداد مديونياتها وأخذ ضرائبها وزكاتها وإن لم تبلغا الأنصبة.

# بل هي مستعدة لتترك ظهور المزارعين مكشوفة لسياط السوق الخاسرة لتلهبها، وإن عجزت كل محصولاتهم عن سداد الديون لبنوكها تكون مكافأتها لهم بالسجن.

# وبمناسبة الذكر لمكافأة السجن فشر مثال يوضح ذلك وكم كنا لا نود إيراده ما حملته مضامين الأخبار البائسة والقائلة بأن معظم المزارعين في القضارف قد تم سجنهم.

# وإن كان هذا يحدث في “قضروف ود سعد” “قضارف الخير” صومعة ومطمورة البلاد الغذائية وذلك بإنتاجها للمحاصيل الناجحة من العيش والسمسم و الدخن و… و…

# فإن ساءت الزراعة في “القضارف” فعليها يمكن قياس السوء في بقية مناطق البلاد وباتجاهاتها الخمسة -إن جازت العبارة- شرقًا وغربًا ووسطًا وشمالًا وجنوبًا.

# وإن تواصلت الأمور على هذه الأحوال السيئة بعدم تشجيع الدولة للمزارعين بشراء محصولاتهم وتخفيض الضرائب فحتمًا سنصل قريبًا إلى مهالك الجوع.

# ولا غرابة في ذلك فإذا كنا عاجزين عن الاستفادة من الاستثمار لما هو في ظاهر أرضها فإنا لأكثر عجزًا عن الاستثمار لفوائد كل ثرواتها المدفونة في باطنها.

# أخيرًا وعلى ضوء وقائع الأحوال -المقلوبة رأسًا على عقب- فإنا نتساءل عليكم بالله هل من المفترض سجن المزارعين المنتجين أم البنوك وممثلي الدولة العاطلين؟!

# نعم سمعنا إجابتكم ولكم كل الشكر وأنتم تنطقون بالحقيقة ولقدرتكم بأن تقولوا بأن البغلة في الإبريق وأيضاً لمواجهتكم لها في عينها بأنها هي العوراء تقصيرًا.

# كما ندعو الله مخلصين بأن يولي علينا -عاجلًا لا آجلًا- من يصلح البلاد بسياسات تراعي مصلحة المواطنين المحكومين قبل مصالح القادة الحاكمين. آمين يا رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

صحيفة الانتباهة