صبري محمد علي (العيكورة) يكتب: كان لنا سوق للثلج بقريتنا
لم تكن العيكورة بدعاً من قرى الوسط فى ذلك الزمن الجميل اوائل و اواسط السبعينات من القرن الماضي استعداداً لاستقبال الشهر الفضيل بهجة وفرحة وتعافي وتصافي ومباركة للشهر بين الجيران تسبقه عبق رائحة (الآبري) . كانت القرية بسيطة المظهر والمعمار وحتى الهندام .لم تكن الطموحات كما هى اليوم فالقناعة فى كل شيء زرائب الانعام تشارك اهل السكن سكناهم . السوق الصباحي المتواضع (الجزارة) وحتى يومنا هذا لم يتغير موقعها بيد ان بعضاً من مدنية التسوق قد تسلقت ظهرها لمواكبة عصر التبضع الحديث .
فى شهر رمضان كان لدينا سوق تتوسط القرية تقريباً داخل مساحة كانت واسعة نوعاً ما يومها تتمدد من بين دكان (ود الطيب) وحتى بوابة ديوان الشريف الصديق الهندي وحتى مشارف دكان (محمود ود صالح) شرقاً . كان هذا السوق خاصاً ببعض لوازم الافطار التى لا يمكن الاتيان بها باكراً . لم تكن هنالك يومها كهرباء ولا ثلاجات عدا ثلاثاً او اربعاً توزعت بدكان ابراهيم جان ودكان ود الهادي ودكان ود الطيب هى ما كانت ترفد القرية بالبيبسي والليمونادة المصنعة محلياً .
(سوق الثلج) كان يبدأ بعد صلاة العصر وحتى قبيل اذان المغرب والافطار .كان هو للثلج والليمون والنعناع والبطيخ احياناً او حسب ما تجود به الجروف وينضح به النيل شرق القرية من العجور والبصل الاخضر والجرجير كان ملتقى جميلاً رائعاً للنكتة والطرفة والتبضع والتسوق والضحكة القنوعة بما قسم الله كل كان يحمل خيشة بها بعضاً من نشارة الخشب لحفظ الثلج لا اذكر ان هناك من رجع يوماً خالي الوفاض لانه لا يحمل نقوداً او ان نقوده لا تكفي فكلهم اهل ليس بينهم حساب ولا عتاب . كثيرون هم الذين كانوا يمتهنون تجارة الثلج خلال شهر رمضان اذكر منهم المرحوم سعيد ود محمد الامين وعبد الله ود حمد النيل متعه الله بالصحة والعافية . (الجنا علي) كان له ركن قصي عامر بشرائح القرع والليمون يدندن باغاني احمد المصطفى فى تقليد واجادة مدهشة .
الصوت كان عالياً بالضحكة والنكتة لا اذكر ان النساء كن يرتدن هذا السوق القصير فقد كان الابناء والاحفاد ربما .
هم من يؤدون هذه المهمة الموسمية . لم يكن (سوق الصباح) ايضاً يخلو من الصخب المصاحب لبائع يروج لبضاعته ولمشتر يختار كيف يشاء خضروات ولحوم لم تلوثها الكيماويات ولا مكسبات الالوان والنكهات .السيد ود القاش كان يأتينا من قرية (دلوت) عبد السلام ود يوسف كان رجلاً فارعاً جهور الصوت يأتي باجود الخضار من (الورقيات) لم يكن متخصصاً سواها وله جُمل حصرية (الرخا عمار البلاد) و (تغرق شاحنة) يكررها كل ما باع شيئاً او تزاحم حوله الناس .احمد ود العوض للبصل والطماطم كان رجلاً خفيف الكلام متسارع النطق ينفض سيجارته بين الحين والآخر وهو يعدل وضعية الاكوام (امحومد علي ود رحمة) كان رجلاً ذا صوت رخيم كثير الدعوات للمتسوقين (تعالي لي … تعالي النملح ليك يا عشاي) وهو يهز فى وجهك ربط الملوخية .
واللحوم وما ادراك ما اللحم والكمونية فتلك بورصة اخرى ابراهيم ود اب روف ، احمد الضو ، حاج ياسين ، اولاد حمزة ، ابراهيم البية . هذه الجزارة هى ما كانت تمد القرية بالحياة وبالنجاح . رحمهم الله رحمة واسعة ولكن ….وما يجمع اهل العيكورة بين القرى المجاورة وبلا منازع هو اهتمامهم بالتعليم . كن لاعب كورة او كن مطرباً او كن صعلوكاً كن ما تشاء …ولكن اياك اياك ان تهمل (القراية) وقد اثمر زرعهم رجالاً وقامات وفى كل المجالات وفى اعلى ذراري التخصصات المدنية والعسكرية منها والمجال يضيق ان حاولت ان اكتب .التحية لاهلي الاكارم فرداً فرداً وهم يستقبلون هذا الشهر الفضيل ويقيني ان طريق الخرطوم مدني سيكون ضيفاً عزيزاً على العيكورة .
صحيفة الانتباهة