المقال الخامس،
من سلسلة مقالات (من وحي رمضان1444)
لقد تخير الله جل في علاه الصيام دون العبادات وقال فيه: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وهذا لعمري تكريم عظيم للصيام ولفت لأنظارنا لكرامة هذا الشهر وفضالته…
وقيل بأن أول من صام هو آدم عليه السلام، وكان ذلك عقب نزوله إلى الأرض وبين يدي قبول الله دعاءه وتوبته، وكأن حكمة الله اقتضت أن يكون أول صوم لأول إنسان وسيلة لشكر الله والتقرب إليه، وأنه عليه السلام كان يصوم الأيام الثلاثة البيض من كل شهر قمرى، ابتداء من الليلة الثالثة عشرة منه حتى نهاية اليوم الخامس عشر.
وصام نوح عليه السلام هذه الأيام البيض، وزاد عليها صيام اليوم الذى نجاه الله فيه من الطوفان (شكراً لله).
وورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم أن داوود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما شكرا لله على آلائه وما وهبه له من إلانة للحديد…
وعندما أهلك الله تعالى فرعون؛ سأل موسى عليه السلام ربه الكتاب، فأمره الله تعالى بصوم ثلاثين يوما وهي أيام شهر ذي القعدة، ثم أمره الله تعالى بأن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة، وقيل أمره الله صيام ثلاثين يوما وان يعمل فيها ما يقربه من الله ويدعوه خلالها، ثم انزل الله عليه في العشر التوراة وكلمه فيها.
ماسبق يثبت جليا صلة وعلاقة الدعاء وشكر الله – الوثيقة- بالصيام…
وهذه العلاقة تتضح لنا أكثر عندما نتلو آية فرض الصيام والآيات التي سبقتها والتي تلتها في سورة البقرة:
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} * {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ….}، ثم يذكر الله تعالى جملة من الأحكام، وبعد أن يذكر كمال العدة: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}،
بعد ذلك يعود السياق إلى بيان عدد من أحكام الصيام: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، إنه أمر يلفت الأنظار ويدفع المتدبر للوقوف عند هذا الذكر للدعاء في ثنايا آيات الصيام!
وقد اعتدت الاستئناس بخواطر الشيخ الشعرواي كلما قادني التدبر إلى وقفة، فإذا به رحمه الله يقول بأن ذكر الدعاء في ثنايا الصيام يشير إلى حظ الصائم الكبير في الإجابة، والعطاء هنا للصائم بأكثر من غيره من الناس…
وقد ورد عن نبينا صلى الله عليه بأن الصائم له خصوصية عندما يدعو الله إن كان خلال صيامه أو عند فطره…
ولقد جاء في سبب نزول الآية {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي…} أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت عنه فأنزل الله الآية.
لذلك فإن شهر رمضان هو شهر الدعاء، وكذلك أيما صيام من بعده أو قبله، ويحسن بنا أن نتخير الأدعية المأثورة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وما ورد منها في آي القرآن، فهي أدعى للقبول إن شاء الله.
ولعلي أختم بفائدة عظيمة:
أدعو كل من لزمه أمر، ورغب في أداء صلاة ركعتي الحاجة لأجله؛ أن يتنفل بصيام، أما إن صلاها في رمضان؛ فليبشر بالقبول والاجابة إن شاء الله.
وإلى اللقاء إن شاء الله في المقال السادس من (سلسلة مقالات من وحي رمضان1444).
adilassoom@gmail.com
صحيفة الانتباهة