عادل عسوم يكتب.. الصيام واللسان
المقال السادس
من (سلسلة مقالات من وحي رمضان 1444).
قال زهير بن أبي سلمى:
لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ.
اللسان خطره عظيم، وآفاته كثيرة، ومنها الغيبة والنميمة والسب والشتم، وقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم من مخاطر اللسان، سأل معاذ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: وإِنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} الأحزاب 58.
لفت نظري حديث صحيح ورد فيه بأن أعضاء الجسد كلها تتذلل للسان كل يوم كي لا يوردها المهالك!، هذا هو الحديث:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا).
لذلك كان يلزم اللسان عبادة (لاجمة) كالصيام، وأي لجم أعظم من القول بكل وضوح بأن اللسان قد يذهب ثواب الصيام ويبطله!!!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ)، لقد وجه نبينا صلى الله عليه وسلم الصائم بأن يحفظ لسانه ويراقبه أثناء الصيام، قال عليه الصلاة والسلام: (إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ).
ولعلي قد استعرضت هذا الحديث في مقالي السابق من زاوية لجم النفس وتربيتها.
إن المعاصي من كذب وغش وسب وشتم وغير ذلك تذهب أجر الصائم، بل تبطله كما يكاد يجمع الفقهاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري.
وقد فُسر قول الزور بالكذب أيضا، وأنه يعرض صوم الصائم للرد وعدم القبول، قال ابن المنير: هو كناية عن عدم القبول، وقال ابن العربي المالكي في سير أعلام النبلاء: مقتضى هذا الحديث أَن لا يثاب على صيامه.
انتهى.
للأسف فإن عدد الذين يفسدون صيامهم منا بسبب حصائد اللسان لكثر، ولعلها لفرصة في هذا الشهر الفضيل أن نعود ألسنتنا على ترديد (الباقيات الصالحات) لتصبح سجية وطبع مستدام لألسنتنا من بعد رمضان، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (من سبح ثلاثاً وثلاثين وكبر ثلاثاً وثلاثين وحمد ثلاثاً وثلاثين وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، خلف الصلاة غفر له ذنبه ولو كان أكثر من زبد البحر.
وقال صلى الله عليه وسلم لأمنا فاطمة رضي الله عنها: (ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم؟ تسبحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين، حين تأخذين مضجعك).
ولعلي أختم بخاطرة للشيخ الشعراوي رحمه الله حيث قال:
أمران يلجمان اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب، أولهما كثرة ترديد الباقيات الصالحات، والثاني أنك إذا ما أقبلت على شربة الماء فقسمه أثلاثًا، اشرب أول جرعة وقل: “بسم الله”، واشربها، ثم انته من الجرعة وقل: “الحمد الله”، وابتدئ الجرعة الثانية، وقل: “بسم الله”، وانته منها وقل: “الحمد لله”، ثم اختم بالثالثة وقل: “بسم الله”، واختمها بقولك: “الحمد لله”، فإذا أخذت شربة ماء بهذه الطريقة التي نقلت عن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” طالما كان في جوفك ذلك الماء، فلن تحدثك ذرة بمعصية الله”.
اللهم احفظ ألسنتنا عن الكذب والغيبه والنميمه و قول ما لا يرضيك، اللهم انطقنا بما تحب وترضى، واجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وشكرك والصلاة والسلام على نبيك محمد وآله ماحيينا.
أسأل الله أن يعيننا على الصيام والقيام على تمامه، وأن يجعلنا وابناءنا وبناتنا وأهلنا من المعتوقة رقابهم من النار في هذا الشهر الكريم.
وإلى اللقاء إن شاء الله في المقال التالي من (سلسلة مقالات من وحي رمضان 1444).
صحية الانتباهة