الفرق بين إصدار الحكم وبين تصويب الخطأ
البعضيحاول أن يطمس قيم هذا الدين غدرا وخبثا، وذلك بعرض الفكرة التالية:
وهي أن مسلمي اليوم ليس كمسلمي الأمس.
بعرض:
أنه استحالة أن ما فعله الصحابة رضوان الله عليهم يمكن أن يفعل اليوم، فلا الناس اليوم مثلهم ولا الزمان زمانهم.
إن هذا العرض الخبيث يمر على تعاليم الإسلام فينسفها نسفا إذ أن هذه التعاليم ما هي إلا التعاليم التي فهمها وطبقها الصحابة رضوان الله عليهم.
محتوى مدفوع
مناورة (أفيندكس) العسكرية حضرها (10) رؤساء أركان
إن هذه التعاليم ما هي إلا التعاليم التي جاء بها الإسلام، فمجرد ربط هذه التعاليم بالصحابة فقط، فهذا يعني مباشرة إلغاء هذه التعاليم في زماننا.
وحتى نبعد هذه الشبهة عن ديننا وحتى نجعل ديننا حي وعائش بيننا وبين الأجيال القادمة وفي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والفقهية وقبل كل ذلك العقدية حتى تظل جميع هذه المجالات نابضة بالحياة بيننا ينبغي أن نقسم تعاليم الإسلام إلى نصفين:
نصف خاص بإصدار الحكم على تعاليم الإسلام.
ونصف خاص بتصويب كل خطأ يعلق بهذه التعاليم.
النصف الأول الخاص بإصدار الحكم هو القسم الذي يشمل جميع المسلمين سابقهم وحاضرهم ومستقبلهم، فالربا حكمه حرام حرمه الله تعالى لا يختلف حول هذا الحكم مسلمان سواء في أول الزمان أو آخره.
الصلاة عبادة فرضها الله على عباده خمس مرات في اليوم والليلة لا يختلف حول حكمها اثنان.
بهذه النقطة الجوهرية يزيل أي حاجز أو مانع يربط بالسلف رضوان الله عليهم، فما يتعلق بإصدار الأحكام في زمانهم هو نفسه وبالنص ما يتعلق بإصدار الأحكام في أي زمان وفي كل مكان وبالتالي ومن خلال هذه النقطة لن يستطيع أحد أن يقول زمان الصحابة يختلف عن الازمنة المتأخرة؛ لأن إصدار الحكم واحد لا يختلف إطلاقا عن أي وقت.
فكما أنه لا أحد يقول أن الإنسان كان في السابق يحتاج إلى الهواء ثم لم يعد محتاج إليه الآن، فكما أن الأشياء المادية لم ولن تفارق الإنسان كالهواء، فكذلك هناك أشياء مفاهيمية وعقدية لم ولن تفارق الإنسان.
فمن أراد أن يفصل إنسان اليوم عن إنسان الأمس، فليخلصه كذلك من حاجاته المادية التي ظلت ملازمة له طول حياته لم تفارقه.
أما النصف الثاني هو ذلك النصف الخاص بتصويب الخطأ هذا النصف هو الذي يختلف من زمن إلى زمن ويختلف من زمن الصحابة عن زمن غيرهم.
فحكم الربا تابع للنصف الأول من تعاليم الإنسان لا يختلف في حكمه اثنان، فهو حرام.
أما النصف الآخر فهو مختلف حوله، فمن صوبه وهو صائب فله أجران ومن صوبه وهو خطأ فله أجر.
ما أنبل وما أسمى جودك وفضلك على عبادك يا رب، فمن أخطأ في تصويب خطأ لا يكتب له خطأ وإنما يكتب له أجر.
فمثال تصويب الخطأ أن يصدر من عملية اقتصادية أنها ليست ربا، فإن اتضح أنها ربا فهذا الخطأ يدخل في حكم الاجتهاد، فها هنا يختلف زمن من زمن ويختلف زمن الصحابة عن زمن غيرهم.
فيا من تعملون على إلغاء حياة الصحابة عن حياة اليوم ألا فلتعلموا أن حياة الصحابة حاضرة وأن تعاليمهم هي تعاليم اليوم لم ولن تتغير فحلالهم حلال اليوم وحرامهم حرام اليوم.
أما إذا صوبت أمور مستحدثة لم تكن موجودة في عهدهم بسبب سنة التغيير وسنة تطور الحياة وقد بشرتنا تعاليمنا الدينية نفسها أنه من كان صائبا منها فله أجران وإلا فله أجر.
فإن إصدار الحكم على الأشياء يجمع عهد الإسلام الأول مع جميع العهود دون استثناء.
وكون تصويب أو تخطئة الأمور المستحدثة خارج دائرة اهتمامات الصحابة ومباحثهم إلا أنه خير كله، فهو إن لم نل منه الأجرين نلنا منه الأجر بفضل الله ورحمته.
كل مسألة تعترض المسلمين تنقسم إلى قسمين:
قسم خاص بالحكم يجعل هذا الدين كلا واحدا لا ينفصل أوله عن آخره.
وقسم خاص بأدوات وأمثلة مستحدثة لن يكون تصويبها أو خطؤها جريمة أو إثم، وإنما ستكون إما أجرين أو أجرا.
فمن أراد أن يفصل عمل الصحابة عن عمل المسلمين في أي عهد من العهود، فليفصل الجسم من الجلد عند الكائن الحي.
صحيفة الانتباهة