مقالات متنوعة

عادل عسوم | رمضان والمبذرون و(اخوانهم…).


المقال الثاني عشر،
من (سلسلة مقالات من وحي رمضان 1444).
يحرص الإسلام كثيرا على النهي عن الإسراف والتبذير، ويأمر بالتوسط والاعتدال في الأمور كلها، وقد ورد التحذير من الإسراف والتبذير في العديد من الآيات القرآنية، بل وصل الأمر إلى جعل الله المبذرين اخوانا للشياطين!
{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} الاسراء 27
ومما استوقفني أن هذه الآية وردت في شأن ايتاء ذي القربي، وهو عطاء كريم أمرنا الله به، بل لعله من أعظم العطايا، وهذه هي الآية التي سبقتها:
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} الاسراء 26
قال بعض العلماء في ذلك ان للشيطان مدخل معهود إلى الاغنياء؛ لاقناعهم بمبررات تمنعهم عن اعطاء زكواتهم لأقاربهم ليخصوا بها الفقراء الأباعد!، ولك ان تنظر حولك عزيزي القارئ لتجد العديد من الأغنياء يحرصون على التبرعات العامة، بينما يكثر الفقراء بين اقاربهم!
أما المسكين فهو الذي يملك وله مال لكن لا يكفيه ماعنده، والدليل قول الله تعالى: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر..} الكهف 79.
بالرغم من امتلاكهم لسفينة أو مركب لحمل الناس والأمتعة إلا أن الله أسماهم مساكين لأنه سبحانه يعلم أن ريعها لايكفيهم.
وقد ذكر الله تعالى المسكين لفتا لنظر أهل الأموال بأن لايتخطوهم في العطاء، وفي ذلك أيضا انزل الله آية عظيمة كانت سببا لاسلام عالمة نفس اجتماعي ألمانية التقيتها في مدينة هامبورق الألمانية، وهذه هي الآية الكريمة:
{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} البقرة 273
قالت ان دينا فيه هذا العمق المشاعري والأنسنة لدين يستحق الاتباع!
إن الله تعالى آثر التعبير عن الإسراف في الآية التي ابتدرت بها مقالي بلفظ (التبذير) لأنه يضيع المال في غير موضعه المطلوب، ولذلك فقد حدد الاسلام مصارف وأنصبة منبنية على علم الله بالناس، تعين المنفق على النأي بنفسه عن الهوى وتغرير الشيطان والرياء والسمعة، فأسمى الله سبحانه ما ينبغي اعطاءه للأقارب (حقا)، والحق واجب!.
إنه نهي عن التبذير في الإيتاء على عموم ذلك، فلا تأخذك الأريحية الإيمانية فتعطي أكثر مما يجب بتأثير ثناء الناس وشكرهم فتزيد في عطائك هنا وتدع آخر وتغفل جوانب أخرى، وقد تخلو إلى نفسك فتندم على ما فعلت وتلوم نفسك على هذا الإسراف والتبذير.
زرت ماليزيا كثرا عندما كان ابني يدرس في كوالالمبور، فدهشت عندما أتى رمضان مما شاهدت من تسابق عجيب بين الأسر في الافطارات العامة، افطارات تقفل لها بعض الشوارع، حيث يتفاخر بعض الاغنياء بكم الطعام الذي يبقى بعد الفراغ من افطار الناس، وقيل لي بأن ذلك معهود ايضا في اندونيسا والكويت ودول اخرى.
أسأل الله أن يهب اغنياءنا الأجر على حرصهم على اقامة هذه الافطارات وتخصيص الميزانيات لها، اذ من فطر صائما كان له مثل أَجره كما قال نبينا صلى الله عليهم وسلم، لكن عليهم الانتباه لأن يكون ذلك في حدود الاطعام المندوب إليه دون تبذير ولا اسراف مطغي، وأن تكون النية خالصة، لكي ينأوا بأنفسهم عن مغبة جعل انفسهم (أخوة الشياطين) بوصف الله تعالى.
ولعلي اختم بأمر يكاد يصبح ظاهرة عندنا في السودان، إنها (النقطة) في حفلات الافراح، ما أن رأيت مشهد أحدهم- لأول مرة في حياتي- وهو ينثر المال نثرا على شخص آخر؛ حتى تذكرت الآية التي تجعل المسرفين من اخوان الشياطين!، ولعمري إن هذا التصرف (الأرعن) لايدل على تدين ولاوعي ولا احترام للمال الذي جعله الله عارية في يده.
ولعلي اختم واقول:
انني منذ أن وعيت واستوعبت المعنى الحقيقي لآية التبذير وتحذير الله تعالى بأن وجعله للمبذرين اخوانا للشياطين؛ حرصت بأن انأى بنفسي عن التبذير حتى في طريقة استخدامي لصباع معجون الأسنان، فلا (اعصره) إلا لأحصل على مايكفي سواكي فقط دون زيادة.
وإلى اللقاء في المقال التالي ان شاء الله.

صحيفة الانتباهة