سياسيةأبرز العناوين

إريتريا تحسم موقفها تجاه الأزمة السودانية: ندعم البرهان


بعد أكثر من أسبوعين على اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قطعت إريتريا صمتها تجاه الحرب الدائرة في جارتها الغربية.

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي تحدث لأكثر من ساعة عبر التلفزيون الرسمي حول خلفيات هذه الحرب وأسبابها التاريخية والراهنة، فضلاً عن إعلان مواقف بلاده ورؤيتها للوضع الحالي في السودان.

بدا أفورقي في هذا الحوار المخصص كاملاً للسودان، كما لو كان يتقمص دور المحلل السياسي أكثر منه رئيس دولة وما يفرضه ذلك المنصب من تحفظ سياسي ودبلوماسي.

أسهب أفورقي في تحليل الوضع السوداني منذ عام 1956 (تاريخ الاستقلال) وحتى اندلاع الحرب الأخيرة من دون أي تحفظات، معتبراً أن العلاقات الإريترية- السودانية تاريخياً تتجاوز التعريفات التقليدية.

الترحيب بالنازحين

رحب الرئيس الإريتري بالنازحين السودانيين في بلاده، مؤكداً أنه نظراً “إلى ظروف الحرب القائمة، ألغت حكومته جميع الإجراءات المتعلقة بالتأشيرات والتصاريح الضرورية للانتقال عبر الحدود”، مضيفاً أن “السودانيين في إريتريا لن يعتبروا نازحين أو لاجئين، ولن نقيم معسكرات أو مخيمات، بل سنستقبلهم في بيوتنا، ونقتسم معهم الخبز”.

وشن أفورقي هجوماً على من سماهم “الحانوتية” الذين يترقبون دوماً موعد الموت والجنائز ليتكسبوا منها ويتاجروا بالمآسي الإنسانية في أكثر من بلد، سواء تحت مبررات العمل الإنساني، أو مبررات توفير الحماية للنازحين، فيما لا تحركهم إلا الأغراض السياسية”.

وأشار إلى المنظمات الدولية الناشطة في مجال اللاجئين، فضلاً عن دول لم يسمها، وقال إنها تسهم في خلق الأزمات من أجل إدارتها والتربح منها، مشدداً على أن بلاده ترفض هذه الطريقة “لن نطلق حملات إعلامية ودعائية عند استقبالنا للأشقاء السودانيين، لن نبعث الكاميرات للحدود كي تصور النازحين”، واصفاً الأمر “بغير الإنساني والمذل وتراثنا وثقافتنا يمنعاننا من هذا الفعل المشين”.

دعم البرهان

اعتبر أفورقي أن للأزمة السودانية جذوراً تاريخية تبدأ منذ فجر الاستقلال، لكن تبدت ملامحها أكثر مع بداية الثمانينيات عندما بدأ تيار الإسلام السياسي في التبلور واقتحامه للفضاء السياسي العام، متمثلاً في “تيار الإخوان المسلمين” تحت مسمى “الحركة الإسلامية السودانية”، ليبلغ ذروته عام 1989 عندما تمكن بالتحالف مع بعض العسكريين في تدبير الانقلاب والوصول إلى سدة الحكم في يونيو (حزيران) 1989، معتبراً هذا التاريخ “بداية تفكيك وتذويب الدولة السودانية” الذي تحقق جزء منه عام 2011، وأشار إلى “انفصال جنوب السودان” الذي اعتبره بمثابة “خطأ إستراتيجي وتاريخي لا يمكن تبريره”.

واعترف الرئيس الإريترتي بأن حكومته دعمت قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان بعد سقوط النظام السابق، “ليس لأسباب تتعلق بشخصه، بل لأنه يمثل المؤسسة السيادية الأولى في البلد وهي الجيش”، لكنه أعرب في الوقت ذاته عن تحفظات بلاده على سير المرحلة الانتقالية، لافتاً إلى أن “المسار الانتقالي تم تحريفه بشكل مدبر”.

وقال أفورقي “من المفترض أن الجيش جهة حيادية تمثل الدولة ككل، بالتالي كان ينبغي أن يقود المرحلة الانتقالية من دون الدخول في محاصصات السلطة والثروة حتى يبلغ بالبلد إلى بر الأمان”.

دمج الدعم السريع

خلافاً للتحليلات التي ظلت رائجة على المستوى السوداني حول إمكانية دعم إريتريا لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أعلن أفورقي تأييده لخطوة “دمج قوات الدعم السريع داخل وحدات الجيش السوداني”، معتبراً أن “ذلك لا يحتاج إلى نقاش في الأساس”، وأكد “لا يمكن تصور وجود جيشين في بلد واحد، بالتأكيد ندعم توجه الدمج لكننا نتحفظ على مواقيته”، وأوضح “لم يكن من الحكمة ربط خطوة الدمج بالمسار الانتقالي الحالي، فالأمر يتطلب وقتاً أطول”.

وأشار إلى أن أولويات الجيش في هذه المرحلة “كان ينبغي أن تنصب على الخروج بالبلاد إلى بر الأمان من خلال خطط واضحة، تضمن سلامة المرحلة الانتقالية بعيداً من المحاصصات السياسية”، مستغرباً من المسار الذي اتبعه السودان في تقاسم السلطة بين المكونين السياسي والعسكري، وتساءل “من الذي حدد حجم هذه القوى السياسية المشاركة في السلطة، ومدى تمثيلها للشعب السوداني؟”، مؤكداً أن “تلك القسمة هي التي جرت البلاد إلى نزاعات السلطة التي أفضت إلى الوضع الراهن”.

وكشف أفورقي عن رؤية بلاده التي تم إبلاغها لمجلس السيادة السوداني والمتمثلة في إدارة الجيش بشكل حيادي للمرحلة الانتقالية، إلى حين الوصول إلى الاستحقاقات التي تشارك فيها القوى السياسية المدنية، وفقاً لحجمها الطبيعي المعبر عنه في الاستحقاقات الانتخابية.

بازار المبادرات

ووصف الرئيس الإريتري جملة المبادرات الدولية المعروضة لحلحلة الأزمة السودانية بـ”بازار المبادرات”، مؤكداً أن بلاده لن تدخل إلى هذا البازار، ودعا إلى منح أدوار أكبر لدول الإقليم للإسهام في الحل، لكنه استطرد بأن “الدور الدولي والإقليمي لا ينبغي أن يتجاوز حدود المساعدة لإيجاد الحل” لأن “الشعب السوداني وحده الكفيل حل مشكلاته الداخلية من دون وصاية من أحد”.

وخفف أفورقي المعروف بانتقاده للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية من حدة تصريحاته السابقة، مشيراً إلى أن أدوار القوى الكبرى ينبغي أن تنسجم مع المبادرات التي تطرحها دول الإقليم، كمنظمة “إيغاد” التي أثنى على دورها وسعيها إلى إيقاف نزيف الدم السوداني.

تجنب انتقاد واشنطن

من جهته، رأى المحلل السياسي الإريتري سليمان حسين أن “المواقف التي كشف عنها أفورقي في حواره الأخير تبدو الأكثر توفيقاً في خصوص أزمة السودان”.

وقال في تصريح إلى “اندبندنت عربية” إن هناك ملاحظات مهمة في هذا الخطاب من بينها “تجنبه انتقاد دور أميركا التي لطالما نالت نصيب الأسد في حواراته السابقة”، وبرر ذلك بالقول “لعل أفورقي يسعى إلى لعب دور في الأزمة السودانية الحالية، بالتالي يريد خفض الضغوط الدولية، خصوصاً من الولايات المتحدة تجاهه، أما الاحتمال الآخر، فيتعلق “بأن السعي الأميركي الحالي يأتي بالتنسيق مع دول أخرى ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع نظامه”، بالتالي لا يريد إحراج هذه الدول أو انتقاد دورها.

واعتبر المحلل السياسي أن الإعلان عن “فتح المعابر الحدودية براً وبحراً للنازحين من دون إجراءات مسبقة يمثل سابقة في تاريخ النظام الإريتري”، لا سيما أن السودان لعب أدواراً مهمة في احتواء اللاجئين الإريتريين في أثناء الكفاح المسلح وبعده.

وثمن حسين هذا الموقف، مؤكداً “أننا كجهات معارضة لنظام أفورقي نجد أنفسنا هذه المرة متفقين مع مواقف نظامه تجاه أزمة السودان”، مضيفاً أن السودان “وبحكم موقعه الإستراتيجي والخيرات الطبيعية الذي يتمتع بها معرض لتدخلات الأجنبية عدة”، بالتالي فعلى دول القرن الأفريقي التي ترتبط بعلاقات تاريخية وثقافية مع الخرطوم أن تلعب دوراً إيجابياً في مساعدة السودانيين لحل مشكلاتهم بأنفسهم”.

خطيئة المحاصصة

وتعليقاً على تصريحات أفورقي في شأن ضرورة إدارة الجيش السوداني وحده للمرحلة الانتقالية، قال حسين “على رغم التحفظات القائمة على دور الجيش في الحياة السياسية السودانية، إلا أن إدارة المرحلة الانتقالية بعيداً من صراعات قسمة السلطة والثروة بين القوى السياسية يعد أمراً ضرورياً إلى حين الوصول لمحطة الاستحقاقات الانتخابية التي ستحدد عبر صناديق الاقتراع حجم كل طرف سياسي ومدى حصوله على التمثيل الشعبي”.

وأكد أن “الجيش قد لا يكون حيادياً بالشكل الكافي، لكن لم يكن متوقعاً منه كجهة سيادية الدخول في صراعات السلطة والثروة مع المدنيين”، ذلك لأنه مؤسسة حرفية ليس من بين مهماتها اقتسام السلطة”.

ورأى أن المواقف الأكثر بروزاً في تصريحات أفورقي الأخيرة تتمثل في “نفي دعمه لقوات حميدتي وتأكيده أن أسمرة ظلت تدعم الجيش النظامي باعتباره مؤسسة دستورية”، فضلاً عن دعوته السودانيين إلى ضرورة إيقاف الحرب من دون شروط مسبقة وعدم السماح للقوى الخارجية بتحديد مصير بلادهم.

اللحاق بمركب المنتصر

من جهة أخرى انتقد الصحافي السوداني محمد عبدالباري تصريحات الرئيس الإريتري، معتبراً أنها تمثل “تدخلاً سافراً في الشأن السوداني” بما يتعارض مع خيارات الشعب السوداني واستقلالية قراره.

وقال في تصريح خاص إن “اعتبار الحركة الإسلامية السودانية سبباً رئيساً لكل أزمات البلاد التاريخية يعد تجاوزاً غير مقبول من رئيس دولة جارة”، مؤكداً “أن التيار الإسلامي هو جزء أصيل من تاريخ الحركة السياسية ويحظى بتأييد عدد كبير من السودانيين”.

ويقرأ عبدالباري مواقف أفورقي الأخيرة بأنها “تأتي بعد مضي أكثر من أسبوعين على اندلاع المعارك، بالتالي فهو يبني مواقفه وفقاً لموازين القوى في الميدان”، موضحاً أن “الجيش السوداني حقق انتصارات كبيرة على الأرض وهو في طريقه لحسم المعركة، بالتالي نفي أفورقي علاقاته المعروفة بالدعم السريع تأتي في هذا الإطار”.

وأكد أن “أفورقي معروف بقدرته على التكييف وفقاً لموازين القوى”، مشككاً في دعمه لخطوة “دمج قوات الدعم السريع في وحدات الجيش السوداني”، مبرراً ذلك بأن الرئيس الإريتري لم يشر إلى ذلك طوال الأعوام الأربعة الماضية، بل كان يستقبل محمد حمدان دقلو كرئيس دولة في بلاده”، بالتالي فالموقف الأخير يعد “من قبيل محاولة اللحاق بمركب المنتصر” وهذه الفرضية يؤكدها “تاريخ النظام الإريتري في مختلف الأزمات الدولية كما هي الحال في اليمن”.

محمود أبو بكر
صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي

اندبندنت عربية