منوعات

اللهم احفظ السودان وأهله واجعل الدائرة على كل من أراد به سوءً فهذا البلد

نظر أغلب السودانيين للحرب الدائرة الآن على أنها صراع مسلح على السلطة. لزم الناس بيوتهم فلم نر في أماكن الحرب موكباً أو انخراطاً مباشراً للمواطنين في الحرب. سعى كل طرف لكسر الطرف الآخر بما يستطيع وهذا مفهوم في الحروب.
اختلاف طبيعة وتسليح القوتين أدى لاتباع استراتيجيات وتكتيكات عسكرية مختلفة: امتلك الجيش الطيران والمدفعية والطائرات المسيرة وامتلك الدعم السريع الكثافة العددية للمشاة وسيارات الدفع الرباعي وسرعة الحركة وخفتها.
وبما أن الصراع سوداني/ سوداني ( من حيث الفاعلين على أرض المعركة) ومن أجل السلطة فقد كان من المتوقع أن يسعى كل طرف لكسب الرأي العام السوداني وكسب ود الشعب أو تحييده.
ولكن إذا قبلنا وفق المعطيات العسكرية السابق ذكرها وتفهمنا احتماء الدعم السريع بالأحياء لعدم وجود مقار ومعسكرات بعد تدميرها بالطيران، واذا قبلنا على مضض احتلال بيوت المواطنين لتكون مقرات بديلة ودروعاً بشرية في نفس الوقت. وإذا قبلنا نهب سيارات المواطنين لاستخدامها في الاستطلاع الاستخباري والتحرك الآمن، وإذا قبلنا احتلال مراكز الخدمات مثل المستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه والبنوك الخ. وإذا قبلنا على مضض دخول المستشفيات للاحتماء واتخاذها دروعاً أيضاً، واذا قبلنا نهب الأسواق للحصول على الغذاء فكيف يبررالدعم السريع حرق الأسواق بعد نهبها؟ وكيف يبرر اغتصاب النساء وترويع المواطنين غير المحاربين ونهب ثرواتهم واتلاف ممتلكاتهم لا استخدامها.
(3)
إذا كان هدف الدعم السريع هو منع عودة الكيزان للسلطة فالمنطق يقول أن سبيل ذلك بعد وقوع الحرب هو الانتصار على الطرف المحارب، ولكن هل يعتبر الدعم السريع أن كل سكان الخرطوم على سبيل المثال (كيزان)؟
أنا لا أفهم الاغتصاب في الحروب إلا أنه سلاح لكسر إرادة الطرف المهزوم وإذلاله وهو لا يحدث إلا إذا اعتبر المنتصر أن المجتمع المعني عدواً يجب كسر إرادته، فهل يعتبر الدعم السريع المواطنين أعداءً له؟
ما يحدث الآن حوادث متواترة وليست تفلتات فردية. ما يحدث هو إخلاء واسع للبيوت وتدمير لها إذا لم تستعمل ونهب ممنهج للسيارات والممتلكات لأطراف ليست محاربة ولا قريبة من مكان الحرب.
(3)
وعليه أتوجه لكل القوى السياسية التي قد تسمع لها قيادة الدعم السريع أن توجه نداء لقيادة الدعم السريع بكف أيدي جنودها عن أعراض وأموال المواطنين فهؤلاء ليسوا طرفاً في الحرب وأن تحصر نشاطها في الأهداف العسكرية حتى تضع الحرب أوزارها فهذا هو منطق الحرب وطبيعتها.
يعلم الجميع أن هذه الأفعال أفقدت الدعم السريع تعاطف قطاع عريض من المواطنين الذين لايهتمون بتفاصيل السياسة فهل هذا ما يريده الدعم السريع ومناصروه؟ وهل هذه الأفعال تساهم في تحقيق هدف إزاحة الكيزان أو الاستيلاء على السلطة؟.
(4)
استدعاء الاحتياط ومحذور تسليح المواطنين:
نظام الاحتياط معمول به في جيوش العالم، وفي أيامنا استدعى الجيش الاسرائيلي ضباط وجنود الاحتياط في الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية واستدعت كل من روسيا وأوكرانيا جيش الاحتياط وهكذا. لم استغرب استدعاء الاحتياط فهذا أمر طبيعي ولكني استغربت ما شاع في الأنباء والأسافير من أن الاستدعاء كان للعسكريين والمدنيين القادرين لحمل السلاح وأن الغرض هو الحماية الشخصية وليس التبليغ والتسليم للقيادة العسكرية ليكونوا تحت إمرتها. وبالرجوع لصفحة القوات المسلحة لم أجد هذا النص إذ انحصر الاستدعاء واقتصر على الضباط وضباط الصف والجنود ولم يشمل المواطنين، كما لم يشمل الاستدعاء أن غرضه الدفاع عن أنفسهم وإلا ستكون الفوضى وإنما التبليغ للوحدات العسكرية، فالاستدعاء يتم بالتبليغ والانخراط مجدداً في الخدمة العسكرية والتوزيع حسب توجيهات القيادة العسكرية وتسلسلها واستراتيجية المعركة وليس بأن يمضي كل فرد ليحمي بيته وأهله.
ما دعاني لهذا أني تهيأت لكتابة نقد لبيان وزير الدفاع كما نُقل ولأي اتجاه يدعو للزج بالمواطنين في الصراع ولكن بمراجعة الصفحة الرسمية اتضح أن تلك الأنباء غير صحيحة وهي مضرة لأنها تؤجج الصراع ولا تساعد في محاصرته في أضيق الحدود.
(5)
هذه كلمات حق تعذّر على كتمانها وأنا أعلم وأعمل بمقولة الإمام علي ( ليس كل ما يُعرف يُقال وليس كل ما يُقال حضر أهله وليس كل ما حضر أهله حان وقته وليس كل ما حان وقته صحّ قوله).
فما زالت في قلوبنا بقية أمل أن يهدّيء الله النفوس ويزيل الشحناء من أبناء الوطن الواحد وما زلنا ندعو بعد أن تعذّر الصلح أن يُحصر القتال بين المتقاتلين وأن يُبعد المجتمع عنه.
اللهم احفظ السودان وأهله واجعل الدائرة على كل من أراد به سوءً فهذا البلد خُلط ترابه الذي بُني به بعرق ودماء آبائنا وبسهرهم وهجرهم الأوطان والأوطار ولم يُبن بالساهل فلا تجعل ضياعه بأيدينا يا رب العالمين بحق حبيبك وصفيك محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين المطهرين وبحق مهديك عليه السلام وخلفائه وأصحابه الغر الميامين.
عبد الرحمن الغالي