الشيخ الهواري يشرح ويفتي عن السودان: خطير!!! حرب شاملة توجب النفير
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على النبي الكريم، وآله وصحبه وبعد:
✍️ فهذه مقالة جديدة من مقالاتي في متابعة حالة الحرب في بلادنا العزيزة المكلومة والمظلومة _كان الله لها، وهو وليها وناصرها، نعم المولى ونعم النصير _.
🔹 أناقش في هذه المقالة قضيتين:
▫️ الأولى: إعادة النظر في التوصيف الفقهي للحرب بعد مضي شهرين.
▫️ والثانية: الدعوة إلى النفير والتدريب.
🔹 فأقول وبالله التوفيق:
⬅️ القضية الأولى: بدت لنا هذه الحرب في أول أمرها في صورة بغي بتأويل من مجموعة مسلحة معروفة، تأولت الخروج على قيادتها بالسلاح وأرادت أن تتنزع السلطة بالقوة؛ فكان توصيفها بناءً على ذلك أنها بغي، والبغاة يُقاتَلون حتى العودة إلى أمر الله كما أمر الله سبحانه، ولهم أحكام خاصة ذكرتها في مقالات سابقة.
⚠️ لكن بعد مضي شهرين من الحرب تكشفت كثير من الحقائق، وظهرت جملة من القرائن والشواهد التي تدل على أن الأمر أكبر من ذلك، مما أوجب إعادة النظر في التوصيف الفقهي والتكييف الشرعي لهذه الحرب، يتفق معنا النظر القانوني أو يختلف.
👈 وبإعادة النظر والتأمل في ما تَكشَّف لكل ذي عقل يتضح أن هذه الحرب في حقيقتها تضمنت ما يلي:
🔖 ١. القتل العمد في أبشع صوره: وهو جريمة توجب القصاص شرعًا، وكثير من القوانين الدولية توافق الشرع في هذا، ودعاة الحرية والديمقراطية أصحاب شعار: “الدم قصادو الدم” يلزمهم الإقرار بذلك أيضا.
🔖 ٢. الصِّيَال: وهو مصطلح فقهي يعني: مهاجمة شخص أو أكثر في بيته، أو في الطريق، أو أي موقع، والاعتداء عليه، بقصد قتله، أو انتهاك عرضه، أو سلب ماله.
وهي جريمة في الشريعة وكل القوانين، تعطي المُعتدَى عليه حق الدفع ولو بالقتل، وتوجب الإدانة والعقاب في كل قوانين العالم.
🔖 ٣. الحرابة: وهي مصطلح فقهي يعني: أي عمل عدواني تقوم به عصابة مسلحة في حق المدنيين؛ لقتلهم، أو نهبهم، أو انتهاك أعراضهم، مستخدمين قوة السلاح.
وهي جريمة نكراء توجب العقوبة العاجلة والآجلة، كما جاء النص عليها في كتاب الله عز وجل، وفي كل القوانين العادلة.
والحرابة والصيال قد يشتركان في بعض الأحوال.
🔖 ٤. البغي: وهو مصطلح فقهي يعني: خروج قوة مسلحة على السلطة القائمة، بقصد إزالتها، وانتزاع الحكم منها، بتأويل فاسد.
والبغي منكرٌ ولو ظن البغاة أن لهم مأخذًا، وهو جريمة جاء النص على التعامل معها في كتاب الله سبحانه، وفي القوانين العسكرية لكل بلد.
🔖 ٥. الحرب المخططة بعناية من الخارج: وفي حالتنا السودانية هذه تمثلت في الدعم المقدم للبغاة، والمحاربين، والصائلين، والقتلة، من تدريب، وتسليح، وتمويل، وإدارة عمليات، وإعلام حربي، بل الإعداد لهذه الحرب والتخطيط لها من الأساس، والدعم السياسي الذي تقدمه لها، والاستمرار في التزويد والإمداد.
👈 ولسنا بصدد تفاصيل أحكام هذه الأنواع، ولبسطها مقام آخر، لكن المقصود أن نبرهن على أن السودان يتعرض لحرب شاملة:
⏪ شاملة لمن تقع عليه الحرب: (الجيش، البلد، الدولة، الشعب، الدين، القيم والأخلاق، التاريخ والتراث).
⏪ شاملة في المحاربين: (المتمردين، وقوى خارجية، ومؤسسات دولية، وعملاء وجواسيس وطوابير).
⏪ شاملة في نوع وأساليب الحرب وأشكالها: (قتل عمد، صيال، بغي، حرابة، تدمير، تخريب، تهجير… إلخ).
💡 وفق التوصيف أعلاه، وبناءً على تلك المعطيات، يتضح أن هذه الحرب أكثر من بغيٍ مجرد، بل هي حرب شاملة، استحدثت فيها وسائل وأساليب، ومنهجية خالفت كل أعراف الحروب وأخلاقياتها في العالم، وتجاوزت كل الحدود، وكل المواثيق والعهود، فجاءت حربًا شاملة من نمط فريد.
👈 فلم تكن حربًا قاصرة على الأهداف العسكرية كما هي أعراف الحروب، بل تعدت – ووَفْق خطة ومنهج – إلى حرب شاملة استهدفت كل شيء.
👈 وهذا يجعلها حربًا مع أعداء متعددين كلهم ظلمة معتدون غاشمون، بعضهم من غير المسلمين، وبعضهم ظهير للمشركين.
💡 وهذا يستوجب مواجهة شاملة، ويوجب جهاد الدفع على كل قادر، ويفرض الوقوف يدًا واحدة، وصفًا واحدًا ضد الغزو الشامل، والعدو الغاشم؛ دفاعًا عن الأنفس، والحرمات، والأعراض، والأرض، والعقيدة.
⬅️ القضية الثانية: دعوة إلى النفير والتدريب:
أحدثت المظالم العظيمة والانتهاكات الخطيرة التي نالت الشعب السوداني، والذل الذي تعرض له، وخاصة ما أصاب كباره، ونساءه، وأعراضه، لا سيما اغتصاب الفتيات، والتعامل معهن ومع أهلهن بأقذر أسلوب يمكن أن تعرفه البشرية، ولا يخطر على بال بشر من بني آدم، والذي ظهر في أبشع صوره في مقطع الفيديو الذي وثقوه على أنفسهم، وهذا _ وإن ظنوه تمدحًا _ فهو خذلان من الله لهم؛ فالذين فعلوا هذه الفعلة الشنيعة قد شهدوا على أنفسهم أمام كل العالم بأنهم أقذر مخلوقات عرفتها الكرة الأرضية، وأرذل صنف ينتمي إلى بني آدم، وأن هذه الفعلة الشنيعة تترفع عنها القرود والخنازير، وسيلاحقهم الخزي والعار وينالهم بإذن الله الذل والصغار، بالإضافة إلى استشعار الجميع للخطر الداهم والمخطط الكبير.
👈 هذا كله أحدث غبنًا شديدًا في نفوس الشباب، وجميع الرجال في هذه البلاد الأبية، والنساء الحرائر الشريفات، وأورث حماسًا قويًا مما يستدعي استثماره في الاتجاه الصحيح.
👈 وهذا واجب المؤسسة العسكرية أن تستثمر هذا الحماس وترشده وتشرف عليه، وإلا سينقلب الوضع، وينفرط الأمر، وتدخل البلاد في مخاطر الجماعات المتفلتة، وتتشكل مجموعات جهادية على غير هدى، لا تحقق الهدف الشرعي والمقصود الأصلي، بل قد يحصل من تشكيلها فساد كبير.
🔘 واستثمارًا لهذا الحماس والاستعداد، وتفاديًا لأي مفاسد متوقعة، وتحسبًا لأي تصرفات غير منضبطة، وحرصًا على سلامة بلادنا، وشعبنا، وعقيدته، وأعراضه، والتزامًا بالمنهج الفقهي السليم، وعطفًا على ما سبق من مناشدة القيادة في البلاد دعوتها للتعبئة العامة، أناشد، وأطالب، وألحّ، وأرجو، وأحسب أن كثيرًا من أبناء بلادنا يتفق معي في الدعوة إلى ما يلي:
🔖 ١. الاستنفار العام، والتعبئة الشاملة، واليقظة التامة.
🔖 ٢. التعاون الكامل، بين كل السودانيين، لحماية بلادهم، والضرب من قوس واحدة.
👈 ومع التأكيد على حق الدفع والدفاع عن الحرمات، ومقاتلة المعتدين، لا بد من التعقل والانضباط وعدم التهور والإلقاء بالأيدي إلى التهلكة، بل لا بد من العمل الراشد والواعي والمنظم، والحذر التام من العدو الغاشم الذي لا يميز بين مدني وعسكري، مع التنسيق الكامل مع المؤسسة الأمنية.
🔖 ٣. فتح معسكرات تدريب للمتطوعين في كل الولايات التي يمكن فيها فعل ذلك، من الجهات المختصة؛ للتدريب على القتال، ليحصل الناس على تدريبات مناسبة وعاجلة وفق ما تقتضيه الظروف الطارئة، ووفق الأسس والضوابط المعلومة لديهم.
🔖 ٤. دعوة الشباب والرجال القادرين على القتال للاستجابة لنداء التعبئة العامة والانخراط في معسكرات التدريب الطوعي، والاستعداد للتدرب على استعمال السلاح متى تيسر ما لهم ذلك.
💡 هذا العمل من شأنه:
▫️أن يوفر سندًا قويًا للقوات المسلحة وبشكل رسمي.
▫️ أن يلبي رغبات الشباب والرجال الذين ضاقوا ذرعًا بالانتهاكات لبيوتهم، وأسرهم، وعامة أهلهم، وشعبهم، وبصورة سالمة من المسؤوليات القانونية.
▫️ أن يؤدي إلى تأهيل هؤلاء المتدربين للدفاع عن بلادهم، سواء كان في صفوف القوات المسلحة، أو في دُورِهم وأحيائهم.
▫️ أن يؤدي إلى تهيئة الشعب، للقيام بواجب الدفاع وحماية الدين، والعرض، والبلاد، والأنفس.
▫️ أن يقطع الطريق على تشكيل مجموعات قتالية بمعزل عن الأطر الرسمية وقنوات القوات المسلحة، قد تتحول إلى مجموعات متفلتة؛ مما قد يُوجِد ذرائع ومسوغات للتدخل العسكري الأجنبي بحجة محاربة الإرهاب _ خاصة والمجتمع الدولي متربص ببلادنا أصلًا، ومتهم لها زورًا وباطلًا، ويبحث عن أي ذريعة يتذرع بها _.
🔹 وأختم بالتذكير أنه لا بد من صدق اللجوء إلى الله، والتوكل عليه، والاستنصار به، واستحضار نية الدفاع عن الحرمات والعقيدة، مخلصين لله تبارك وتعالى، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧]، وقال عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون} [آل عمران: ١٦٠].
أسأل الله العلي القدير أن يخلص بلادنا من كل سوء، وأن يزيل عنها الفتنة، ويكشف عنها الكرب، وينزل عليها الأمن والأمان، والسكينة والاطمئنان، وأن يحفظ بلادنا، وعقيدتنا، وشعبنا، وأعراضنا، وجيشنا، وأن ينصرنا على أعدائنا، وأن يهزم أعداءنا شر هزيمة، وأن يجعل تدبيرهم تدميرهم، ويجعل كيدهم في نحرهم.
آمين يا قوي، يا عزيز، يا جبار السماوات والأرض.
و{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: ٨٨].
_______
نشر بتاريخ: ٤ ذو الحجة ١٤٤٤هـ، الموافق 2023/6/22م
════════❁══════
📙 خدمة فضيلة الشيخ الدكتور: حسن أحمد حسن الهواري حفظه الله 📙