تيسير عووضة: رغم كل شيء، لبادية كردفان في القلب مكان فسيح
ارجع بالذاكرة لسنين الصبا الباكر، وقت عودتي المؤقتة وأسرتي للسودان، عدنا كحال آلاف المغتربين لإستكمال بناء منزلنا، منزلنا دا من أيام كان هيكل وعمدان وهو محروس بعيون ورعاية الخالة مدينة وزوجها عم موسى واللذين تعود أصولهما لقبائل المسيرية في جنوب كردفان ريفي بابنوسة ..
عشنا عمر طويل يزيد عن العشرة أعوام رفقة مدينة وموسى قبل أن تقرر أسرتي الرجوع لبلاد الغربة مرة أخرى في محاولة للم شمل أسرتنا الصغيرة ..
عشرة أعوام وزيادة تشبعت فيها بلهجة وكلام وغناء وطعام وعادات أهل كردفان ..
إحتكاكنا الأكبر كان بالخالة مدينة بحكم تواجدها المتواصل معنا داخل البيت كمساعدة منزلية وخارجه كحارسة مخلصة ومتفانية ..
كانت أقرب لعلاقة الدم والصداقة بينها وبين والدتي التي كانت تستأمنها على بيتها فحفظت الأمانة بكل إخلاص ومحبة ..
ما يميز الخالة مدينة من أول يوم قابلناها في البيت هو إصرارها الشديد على الكلام بنفس لهجة ولكنة ومفردات المسيرية الشي اللي خلاني من عمر صغير جداً ألتقط كلامهم وافهمو تماماً مهما بلغت درجة صعوبته وتعقيده
تراث البقارة
وقصص غاراتهم وإشتباكاتهم
عاداتهم الإجتماعية والأسرية
أغنيات عبد القادر سالم وواحد تاني غناي أكتر منو اظن اسمو حامد بابنوسة على ما اذكر اللي ما بتفارق آذاننا طول ما مدينة شغالة في البيت وهي تنبعث من جهاز الكاسيت (أصلاً مدينة كانت عندها شريطين أمهن وأبوهن للفنانين المذكورين أعلاه ما بتسمع غيرهم) ..
دهشتي الكبرى لما اكتشفت لأول مرة التقارب الشديد بين ألحان بادية كردفان والألحان الخليجية ..
عصيدة الفتريتة الحمرا البتكفيها بقدر الكنتوش
كنت بقول ليها عصيدتكم ليه بمبية 😂
أول مردوم أشوفو ثم لاحقاً اتعلمو كان على يد “أو كراع” مدينة
كانت رقاااصة مردوم جد ..
ما مشيت كردفان للأسف وستظل أمنية عزيزة
لكن عايشت وتشبعت بجانب كبير من حياتهم وثقافتهم وحس سخريتهم اللاذعة المحببة فصارت جزء حميم ولصيق بذكريات صباي ..
الآن وأنا بشوف الصفحات مليانة بكلام أهل كردفان بتتملكني حالة من الحنين والمودة القديمة زي لما الزول يلاقي صديق قديم غايب من سنوات ..
سوداننا سمح
الله يرزقنا خيرو وأمنو وأمانو بعد الحال
تيسير عووضة