تحديات عديدة أمام اجتماع دول جوار السودان في القاهرة

الأزمة السودانية بلغت من التشابكات الداخلية والخارجية مدى يصعب فيه على مصر أن ترعي قمة لدول الجوار لحلها، حتى لو سعت القيادة المصرية لذلك وعملت على تأكيد وقوفها على الحياد بين طرفي هذه الأزمة، الجيش وقوات الدعم السريع. فهل تحصل القاهرة على ضوء أخضر من البرهان وحميدتي على القبول بأن تكون مصر مرجعية لحل الأزمة.
أبدت مصر استعدادها عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان للمساعدة في حل الأزمة التي عصفت بالبلاد، وأجرت حوارات متعددة خلال الفترة الماضية مع قيادات في دول الجوار لجس نبضها نحو إمكانية استضافة اجتماع في القاهرة للتباحث في شأن أزمة سوف تضر تداعياتها بجميع دول الجوار.
وبدأ حديث الاجتماع في القاهرة يهبط ويصعد وفقا للمقتضيات الميدانية للحرب، وجهود الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة والسعودية من خلال مبادرة مشتركة لهما، والتحركات التي تقوم بها دول أفريقية من خلال هيئة الإيجاد أو الاتحاد الأفريقي، وكلما أغلق باب من هذه زاد الحذر لطرق الباب المصري.
لم تعلن الحكومة المصرية رسميا عن الاجتماع، على الرغم من أن المشاورات التي أجريت أكدت اهتمامها الكبير بالأزمة وسعيها لإيجاد حل لها، إلى أن نشرت وسائل إعلام ليبية أخيرا معلومات حول تلقي رئيس مجلس الرئاسة الليبي محمد المنفي دعوة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لحضور قمة لدول الجوار، بمشاركة قادة إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى، منتصف يوليو الجاري.
ويشير وجود مقاربة مصرية للتعامل مع الأزمة السودانية إلى تغير ملحوظ في رؤيتها للصراع الضاري بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتبنيها رؤية متوازنة تجهض ما انتشر مع بداية الحرب حول انحيازها لقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان ضد قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بينما أيّ وساطة لوقف الحرب لا بد أن تكون غير منحازة لطرف كي تكون اللقاءات مجدية.
وأجرت مصر الأيام الماضية محادثات مع مسؤولين في قوى سودانية مختلفة، بينها الجيش وقوات الدعم السريع، ومنحها استقرار عدد من السياسيين والإعلاميين السودانيين ومئات الآلاف من المواطنين وأسرهم على أراضيها ميزة معنوية، فاختيار هؤلاء الحياة فيها قد يسهم في سرعة التواصل ويمنح الحوارات قوة دفع مساعدة.
وتنطوي المبادرة المصرية على اشتباك سياسي إيجابي مع أزمات السودان، حيث ظلت القاهرة بعيدة عنها فترة طويلة بسبب حساسيات تاريخية مزمنة من قبل بعض القوى السودانية، وتصورات اعتقدت أن العنصر الأمني حاكم في الرؤية المصرية.
ومع أن الحرب وروافدها أثبتت صواب الرؤية الأمنية، غير أن المسحة السياسية في الاهتمام مطلوبة باعتبارها مرضية للقوى والأحزاب المدنية، ومدخلا يمكن الولوج منه إلى مقاربة تسهم في تسوية مشكلات السودان المركبة، ناهيك عن المساعدة في تجسير فجوة حالت كثيرا دون مشاركة القاهرة في بعض المحكات الرئيسية بالسودان.
لم تعلن مصر عن تفاصيل المبادرة التي بموجبها تتولى جمع قادة دول الجوار، والقاعدة التي يستند عليها الاجتماع المنتظر، وكل ما رشح ينصبّ على رغبة عارمة لوقف إطلاق النار، بينما العملية السياسية التالية لا أحد يعلم عنها شيئا، وهي زاوية تحطمت على أعتابها علاقة البرهان بحميدتي وتتباين حولها مواقف القوى السياسية.
وتهتم دول الجوار بوقف الحرب، لأنها أول من امتدت لها شرارات الحرب من خلال فرار مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين، ويمكن أن تتصاعد نيران الحرب لتتحول إلى كرة لهب وأزمة إقليمية معقدة تلحق أذى كبيرا بالدول السبع المجاورة للسودان.
وأخفقت جهود الوساطة لوقف الحرب وفشلت مساعي الجمع بين البرهان وحميدتي، وباتت قيادة الرئيس الكيني المفوض من قبل هيئة الإيجاد بقيادة فريق الوساطة محل رفض من جانب البرهان، كما أن إثيوبيا متهمة بالانحياز إلى غريمه حميدتي.
وواجهت تحركات جنوب السودان عثرات لم تمكنها من تحقيق اختراق في الأزمة، وتشاد وأفريقيا الوسطى تحيط بهما علامات استفهام حول مشاركة عناصر فيهما في الحرب ودعم أحد الطرفين بحكم التداخل الجغرافي وسهولة انتقال الحركات المسلحة فيهما من أراض السودان وإليها، وتردد معلومات حول تلقي قوات الدعم السريع مساعدات عسكرية عبر الأراضي الليبية.
وتحاول مصر إعادة التموضع للتعاطي مع السودان، ووجدت في عقد قمة لدول الجوار فرصة لتجاوز عقبة التقسيم المفتعل بين عرب وأفارقة، ووقف تمادي الشد والجذب في السودان على هذه الثيمة البغيضة، لأن هوية السودان يجتمع فيها العرب والأفارقة، وتخطّي إشكالية تاريخية مع الأزمات السودانية جعلت مصر تقف بعيدة عن الانخراط في حلها، على الرغم من تأثر أمنها جوهريا بما يجري في السودان.
وتخشى القاهرة من السيناريوهات الثلاثة المتوقعة، وهي أن تفضي الحرب إلى انتصار قوات الجيش فيعود إلى السلطة فلول النظام السابق ومكوناتها الإسلامية، أو تنتصر قوات الدعم السريع فتحظى الجماعات المسلحة خارج المؤسسة العسكرية النظامية بشرعية في دول أخرى، أو أن تستمر الحرب إلى أجل غير مسمى ويدخل السودان دوامة حرب أهلية جديدة فتعاني مصر من ارتداداتها على مستويات مختلفة.
ونجاح قمة دول الجوار بالقاهرة يحتاج إلى مراعاة ثلاثة محددات رئيسية تؤثر في مفاتيح الحل والعقد بالسودان، ربما تتفاوت درجات التأثير، لكنها حاضرة في المشهد العام وخلفياته المتنوعة.
الأول: الحصول على تأييد البرهان وحميدتي بالموافقة على مخرجاتها التي يراعى فيها الحياد إلى حد كبير، واستعداد القوى المدنية والحركات المسلحة للتعامل مع ما سيترتب عليها من خطوات تتعلق بوقف إطلاق النار، ثم ولوج الخطوة التالية لفتح أفق واعد لاستئناف العملية السياسية والعودة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.
يحتاج ذلك إلى جهود مكثفة من القاهرة كي لا يتحول الاجتماع إلى لقاء من أجل إبراء ذمة دول الجوار، وبالتالي من الصعوبة إقناع الأطراف المعنية بما يتمخض عنه من نتائج، فتهيئة الأجواء الداخلية عملية مهمة، لأن الانقسامات التي أحدثتها الحرب بددت الهامش البسيط من رصيد الثقة بين القوى السودانية.
المحدد الثاني: التوافق بين دول الجوار وردم الهوة التي أنتجتها الحرب بشأن تقسيمها العرقي، والتمسك بحل أزمات السودان ضمن الأطر الأفريقية التقليدية، وهي مسألة مضنية، زادت الحرب شروخها عندما تم تصنيف دول الجوار إلى فريق داعم للبرهان وآخر لحميدتي وثالث محايد، بل والتشكيك في نوايا الجميع وفقا لحسابات المواقف السياسية، ما قلّص مساحة الحركة المعتادة للاتحاد الأفريقي وهيئة الإيجاد.
تكمن المشكلة في أن علاقات مصر مع بعض هذه الدول غير إيجابية ومسكونة بالهواجس، ما يؤثر في قدرتها على جمع قيادات دول الجوار في القاهرة، فالقمة المزمع انعقادها جرى الحديث عنها منذ أسابيع ولم تقدم معلومات مؤكدة حول انعقادها حتى الآن، ما يشي بوجود رؤى متباينة ومسافات متباعدة حولها.
المحدد الثالث: الأزمة في السودان لم تعد داخلية أو متعلقة بدول الجوار فقط، فهناك قوى دولية معنية بها، وأسهم هذا المحدد في تعطيل التسوية والحفاظ على توازن هش بين الطرفين المتصارعين، وإذا أرادت القاهرة أن تخرج بها إلى برّ الأمان فعليها التوفيق بين مواقف القوى الكبرى، ما يمثل صعوبة بالغة ويقلل من الجدوى السياسية للقمة، وهو ما يفسر التعثر الذي تواجهه لالتئامها، فالقاهرة تريدها قمة نوعية منتجة.
“صحيفة العرب”