رأي ومقالات

الطريق نحو السلام واضح، وها هى القاهرة تلقى طوق نجاة

استضافة مصر قمة دول جوار السودان تأتى فى إطار اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى باحتواء الأزمة التى يمر بها السودان الشقيق فى إطار خطة طريق تفضى إلى وقف دائم لإطلاق النار وتحقيق المصالحة، وتوفير الرعاية للنازحين من غذاء ودواء ومسكن وأمان، والحفاظ على البنية الأساسية، وترميم ما تضرر منها، وحشد دعم إقليمى ودولى لإعادة بناء ما جرى تدميره من منشآت وخدمات، خاصة المستشفيات ومخازن الغذاء وإمدادات المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات، وتستند الرؤية المصرية فى حل الأزمة السودانية إلى مبدأ أساسى يقضى بمنع أى تدخل خارجى فى شئون السودان، والحفاظ على حدوده وسيادته على أراضيه، وأن يقتصر التدخل على تقديم العون، والمساهمة فى تخفيف الأزمات، والسعى لوقف القتال، وتعزيز مؤسسات الدولة السودانية، بما يجعلها قادرة على الوفاء بالتزاماتها وأدوارها.

كانت مصر تتابع كل المساعى المبذولة من أجل حل الأزمة السودانية، وباركت كل جهد بناء يحقق للسودان وشعبه الأمن والاستقرار، ويعيد الهدوء إلى ربوعه، حتى يتمكن من النهوض وإعادة البناء، والشروع فى استثمار ثرواته الكبيرة، التى يمكن أن تحقق لشعب السودان طموحاته وأحلامه فى التنمية ورفع مستوى المعيشة وتحسين الخدمات. ولم تغب مصر أبدا عن كل المبادرات التى أطلقتها دول إقليمية ودولية، وتابعت كل محادثاتها، فلا يمكن لمصر إلا أن تضع السودان الشقيق فى أولوية انشغالاتها، ويعنيها فى المقام الأول سلامة شعب السودان وسيادته على أراضيه، وأن يعم الأمن ربوعه، فمصر تحتضن نحو خمسة ملايين من الأشقاء السودانيين الذين يعيشون فى مختلف المدن المصرية، ولا يشعرون بأنهم غرباء أو نازحون، فمصر دائما كانت وستظل مفتوحة لأبنائها السودانيين الذين تربطهم علاقات وثيقة بمصر وشعبها، تربطهم أواصر الدم والأخوة، وكانوا دائما سندا لبعضهم البعض، وخاض معنا جيش السودان حرب أكتوبر، عندما أرسل لنا بعض وحداته فى مواجهة ثغرة الدفرسوار، وسطر مع الجيش المصرى بطولات العزة والكرامة، وروت دماء أبنائه أرض مصر، فالعلاقات التاريخية عميقة الجذور بين الشعبين والبلدين، وترجع إلى ما قبل الميلاد، ولهذا فهى علاقة تتميز بخصوصية وروابط قوية قلما تجمع بين شعبين، ومن هنا يأتى الاهتمام الكبير بين بلدى وشعبى وادى النيل، فما يؤلم الشعب السودانى يوجع مصر وشعبها، وما يفيده ويحقق آماله نرحب به، وهذا ما يميز علاقة مصر والسودان. وتأتى مبادرة مصر بمؤتمر قمة قادة دول الجوار لتتوج هذا الاهتمام، وتسعى مصر مع باقى دول الجوار إلى أن يتم تنسيق الجهود لاحتواء الأزمة السودانية، وأن تستفيد من الجولات السابقة، وما تمخض عنها، والعقبات التى حالت دون الالتزام بها، والحلول والرؤى المقترحة، وتهيئة المناخ لنجاح مساعى احتواء الأزمة، وعدم إقحام أطراف دولية أو إقليمية لما لمثل هذه التدخلات من آثار سلبية، والأمثلة كثيرة على التعقيدات التى تنشأ عن التدخلات الخارجية، ولهذا حرصت مصر على أن تلعب دول الجوار الدور الرئيسى فى إيجاد مخرج من الأزمة، لأنها الدول المتضررة بعد السودان من اتساع الشقاق، وتحوله من أزمة داخلية إلى حقل للصراع الإقليمى والدولى، فالأزمات المسلحة قابلة للتنقل والاتساع بما يهدد دول الجوار، خاصة فى ظل وجود امتدادات عرقية بين دول الجوار والسودان، وتبدأ خريطة الطريق من الاهتمام بالجانب الإنسانى، وتوفير الدعم للنازحين، إلى جانب سرعة فتح الطرق الآمنة من أجل توفير احتياجات السكان فى الخرطوم ودارفور وتوسيع المناطق الآمنة، والعمل على التوصل لوقف إطلاق النار وضمان استمراره، بما يتيح المجال للحوار السياسى.

ومن أهم مقومات النجاح لمؤتمر قمة القاهرة لدول جوار السودان أنه يحظى بتأييد من الأطراف السودانية بمختلف توجهاتها، حيث رحبت به الأحزاب الفاعلة، وترى أنها مبادرة تبعث على الأمل فى حل توافقى، يحظى بتأييد واسع، وأن مصر بثقلها الإقليمى والدولى يمكن أن تفتح أبواب الأمل فى عودة الهدوء والاستقرار إلى السودان، خاصة مع حرص مصر على إشراك دول الجوار فى التوصل إلى خريطة الطريق نحو السلام. وأعتقد أن الأشقاء فى السودان يدركون جيدا أن قمة القاهرة فرصة مهمة عليهم اغتنامها، والبناء عليها، لأنها تتمتع بفرص نجاح قد لا تتكرر فى المدى المنظور، وكل يوم يمر فى القتال الداخلى يدخل السودان إلى هوة أعمق فأعمق، وتزيد الأمور تعقيدا، ولن يكون هناك فائز أو منتصر، بل سيدفع السودان بكل أطيافه ثمنا فادحا، ويمكن أن ينزلق السودان إلى حروب لا يمكن التنبؤ بمداها ونهاياتها ــ لا قدر الله ــ ، ولهذا عليهم أن يتمسكوا بنتائج تلك المبادرة المصرية، وأن يغلبوا المصلحة الوطنية على أى مصالح فردية أو فئوية، فالخطر يحدق بالجميع، والسودان أمام اختبار صعب، على الجميع أن يعملوا على إبعاده عن المخاطر، وقد رأينا ما حدث فى دول عربية وإفريقية مازالت تعيش فى تداعيات الأزمات، وأهم ما يجب أن يراعوه ألا ينجروا إلى الاستعانة بأطراف خارجية يمكن أن تستفيد من الأزمة، أو يكون لها أطماع، وتقدم العون للأطراف كى تواصل القتل والتدمير على حساب حاضر السودان ومستقبل شعبه.

إن مصر ودول الجوار تأمل فى استجابة الأطراف السودانية لتحقيق المصالحة وتكريس السلم الأهلى، ونبذ كل أشكال العنف، والاحتكام إلى العقل والمصلحة الوطنية، وعندئذ يمكن للسودان أن يستعيد عافيته، ويستثمر طاقات أبنائه وثروات أراضيه فى البناء والتعمير، وأن يصبح السودان من بين الدول الناهضة، لأنه يمتلك الكثير من عناصر القوة والتقدم، من أراض شاسعة قابلة للزراعة إلى ثروات معدنية، إلى شباب طامح لبناء وطنه، بدلا من إهدار الطاقات فى صراعات مدمرة للبشر والحجر، وتجر البلاد إلى دمار يصعب ترميمه، فالطريق نحو السلام واضح، وها هى القاهرة تلقى طوق نجاة، أتمنى أن يتم التقاطه من جميع الأطراف حتى ينجو السودان ويتجاوز محنته.

علاء ثابت – “بوابة الأهرام”