رأي ومقالات

عادل عسوم: الحاكمية والمظاهرات!!

لفتني اليوم خبر في القنوات الفضائية بأن نسبة البريطانيين الذين يطالبون بالعودة إلى الاتحاد الأوربي قد ازدادت بصورة كبيرة!

حيث افاد الكثير ممن صوت من قبل مع ال Brekxit – خلال استطلاع- بأنهم رجعوا عن قرارهم بالتصويت ضد البقاء في الاتحاد الأوربي.

تذكرت ال(هيجة) الشعبية واحتشادات الانقليز التي كانت تكتظ بها شوارع لندن وغالب المدن الانجليزية، هتافا ضد الوحدة الأوربية ومناداة بالخروج من الاتحاد الأوربي، وتذكرت الاشكالات السياسية والاستقالات العديدة التي طالت حكومة المحافظين وما صرفته الخزينة العامة على الاستفتاءات والانتخابات التي ترتبت على موضوع البريكسيت داخل انجلترا، إذ في 14 نوفمبر 2018 وافق مجلس الوزراء البريطاني على مشروع الاتفاق بعد ضغط الشارع، وكلف ذلك الحكومة البريطانية استقالة أربع من أعضائها من بينهم دومينيك راب،

وفي 22 نوفمبر 2018 أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا توصلا إلى مشروع اتفاق بشأن الروابط في مرحلة ما بعد بريكست والذي اتخذ شكل إعلانٍ سياسي، وفي 25 نوفمبر 2018 جرت الموافقة على الإعلان السياسي وعلى اتفاق الخروج خلال القمة الأوروبية، وحسم الاتفاق مسألة قيمة الفاتورة التي على لندن دفعها للاتحاد الأوروبي والتي تتراوح قيمتها مابين 40 إلى 50 مليار يورو!. كذلك تضمن الإتفاق خطة شبكة الأمان التي تنصّ على منح ايرلندا الشمالية وضعاً خاصاً لتفادي تشكّل حدود فعلية مع جارتها إيرلندا كملاذ أخير.

من جهة أخرى اعتبر الاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء بأن رفض البرلمان البريطاني للاتفاق المبرم بين لندن وبروكسل حول بريكست أنه يزيد من مخاطر خروج بريطانيا من التكتل بدون اتفاق، ودفع البرلمان الأوربي الحكومة البريطانية لتحسم أمرها بالخروج.

وتم الخروج، وأصبحت بريطانيا كالمطلقة التي لم تحصل على ورقة الطلاق، وهاهي بريطانيا تعود إلى المربع الأول واتوقع – كما كتبت من قبل – بأن تدفع بالشعب البريطاني مرة أخرى إلى استفتاء جديد على ال Brexit لتعود إلى جسم الوحدة الأوربية.

وغير بعيد عن الجنوب البريطاني تدور أحداث أخرى يربط بينها وبين الحالة البريطانية قاسم (وجود الجماهير في الطرقات)، فقد ظللنا لأشهر عديدة متوالية نشهد مايفعله أصحاب السترات الصفراء في شوارع المدن الفرنسية في باريس وليون ونيس وغيرها، والصورة تزداد قتامة في فرنسا مع إصرار قادة حراك الشارع الفرنسي على ستجابة (كاملة) لمطالب فيها الكثير مما يضير بفرنسا إن تمت الاستجابة لها من قبل حكومتها الديمقراطية، ولعل أكثر ما يلفت الانتباه إلى مطالب أصحاب السترات الصفراء أنها لم تعد تقتصر على مجرد قرارات حكومية من شأنها الارتقاء بحياة المواطنين، بل تحولت -بتوالي زمن التظاهرات- إلى مطالب أخرى سياسية من بينها حل البرلمان، ورحيل الرئيس الفرنسى الذي أتى بانتخابات حرة ونزيهة! بل وصل الأمر بالمتظاهرين إلى المطالبة بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبى أسوة ببريطانيا وان كانت الأصوات المنادية بذلك خافتة الآن، وبلاجدال ذلك يستدعي التساؤلات الآتية:
1- هل الذي يحدث في بريطانيا وفرنسا يفيد الدولتين؟!
2- ألا ينبغي أن يدفع هذا الذي يحدث في الدولتين مسعى من قبل أهل الاختصاص في عوالم الفكر السياسي إعادة النظر إلى أمر الحاكمية التي ترد أمورا مثل هذه إلى (الشارع) كي تقررها الشعوب غير المعصومة من روح القطيع، وغير المحصنة من تأثير العديد من الجهات التي يمكنها (حرف) جماع وجهة النظر الشعبية إلى منحى يضير بهم -دون أن يتبينوا- ويضير بالتالي بالدولة وبالأوطان؟!

وغير بعيد تذكرت ونحن صغار عندما حدثت ثورة أكتوبر على حكم الرئيس ابراهيم عبود الذي تنسب إلى عهده -الذي لم يدم سوى أقل من سبع سنوات- غالب البنى التحتية والمصانع في السودان، وإذا بغالب الذين تظاهروا في اكتوبر 64 يندمون على ثورتهم عليه وأصبح الهتاف الذي يرددونه كلما التقوه بعد أشهر فقط: (ضيعناك وضعنا ياعبود)!
ولعل الحال الآن يذهب في ذات الاتجاه بعد ثورة ديسمبر 2019!
فقد انفض الشباب -الذين كان الغلاء هو أساس ثورتهم- عن قيادات قوي الحرية والتغيير بعد أن أيقن غالب الشباب بأن هذه القيادات السارقة للثورة ليست سوى خونة للوطن وبيادق بيد بعض سفراء وحكومات الدول الكائدة للسودان.
كم كان فقهاء الاسلام أهل بصيرة عندما ذهب غالب أهل السنة والجماعة إلى أنه لا يجوز الخروج على أئمة (الظلم والجور) ما لم يصل بهم ظلمهم وجورهم إلى (الكفر البواح)، أو ترك الصلاة والدعوة إليها، أو قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى، وقال ابن القيم رحمه الله: (فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها، والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها. ووسائل الطاعات والقربات في محبتها، والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها).
انتهى.

وأي عاقل يدرك ما تفضي إليه المظاهرات من خراب ودمار و (سوق لصغار السن بالخلا) وماسمعه الناس وشاهدوه من هتافات تدعوا إلى التفسخ والانحلال الخلقي بما احتشدته من رؤى اليسار والشيوعيين مثل الفيمينيست و(حرياااااو)!
هاهي غالب الدول التي طالها ماأسماه الناس بالربيع العربي تتمنى شعوبها الآن لو أنها استقبلت من أمرها ما استدبرت لما تظاهر منها أحد!

التظاهر أمر مشروع في الأنظمة الديمقراطية كأمر مطلبي، لكن لا أن يصبح الشارع هو الذي يحكم ويفرض على الحكومات التشريعات والقوانين، وإلا لاعترت الشارع (ديكتاتورية البلوريتاريا) التي أتتنا بها الشيوعية، والتأريخ اثبت بأنها اسوأ من ديكتاتورية العسكر.
الله المستعان.

عادل عسوم