🔴 زحف الزومبي في معارك المدرعات Zombei’s Crawling
مع استمرار الحرب تضيع ملامح مؤشراتها بعد ظهور بعض الأحداث التي قد تبدو وكأن هناك تغييرا ما قد حدث للاستراتيجيات المحركة للعمليات العسكرية على الأرض. ولكن التأمل بعمق ودراسة كل المؤشرات تؤكد حقيقة التحليلات السابقة كما تؤكد أن الحرب حتى الآن لم يحدث فيها تغيير جوهري.
منذ البداية اتخذ الدعم السريع (المحلول) استراتيجية خاطئة بالانتشار الواسع في ولاية الخرطوم على مساحة 23 ألف كلم مربع عطلت فعليا التفوق العددي لقواته التي كانت تفوق المائة وعشرة ألف من جنود النخبة المدربين وأصحاب الخبرة في الحرب. ظهر هذا التعطيل في فشل الدعم السريع في اسقاط أي منطقة عسكرية داخل ولاية الخرطوم أو القيادة العامة مما اضطره للانتقال للهجوم على الأسلحة الفنية والمعسكرات ضعيفة الحماية واستطاع تحقيق بعض النجاحات في الاستراتيجية واليرموك والاحتياطي المركزي ولكن بعد استنزاف كبير جدا لقواته.
من يقود عملية التخطيط العسكري للدعم السريع رجع لبعض التعقل في التفكير وإلى الخطة الأساسية للدعم السريع بعد فشل هجومه الأول وذلك بالتركيز على تحييد الطيران واسقاط واحد من اهم ثلاثة معسكرات للجيش وهي وادي سيدنا والمهندسين والمدرعات وقام خلال الأسبوع الثالث من شهر مايو بمحاولة هجوم متزامن على المعسكرات الثلاثة ولكنه فشل لعدم القدرة على الحشد وضعف السيطرة من قيادة الدعم السريع.
من هنا بدأ الانهيار في قوات الدعم السريع مما اضطر قيادته الى تحول نوعي في استراتيجية العمليات العسكرية تهدف إلى الاستفادة من انتشاره في بيوت المواطنين والمرافق الخدمية والمستشفيات بالتحول الكامل من استراتيجية الهجوم إلى استراتيجية الدفاع ونصب الشراك والكمائن عبر استخدام القناصين والمدافع المضادة للدروع والرشاشات ذات الكثافة النارية العالية وتحويل كل شارع وميدان إلى أرض للقتل يعوق تقدم أي تحرك لقوات المشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية. وتطلبت هذه الاستراتيجية أعداد كبيرة من المقاتلين خصوصا بعد الاستنزاف الذي حصل لقوات النخبة خلال الفترة الأولى للحرب. وتفتقت عبقرية قادته الميدانيين إلى استباحة بيوت المواطنين الآمنين ودعوة كل النهابين والكسابة ومنحهم أموال البنوك وبيوت المواطنين (غنيمة) بشرط القتال معهم. وتبع ذلك تجنيد واسع داخل الخرطوم نفسها للمتفلتين والمجرمين وأصحاب السوابق الذين قامت باطلاقهم من السجون.
بدأ تنفيذ هذه الاستراتيجية عمليا منذ الرابع من يوليو 2023م بعد آخر هجوم على الاحتياطي المركزي أم درمان. ونجح الدعم السريع في نصب كمين لمتحرك للجيش في بحري كما تم استدراجهم بذكاء من قبل قادة الجيش إلى مذبحة لقواتهم قرب منطقة الباقير. بعدها هدأت المعارك تماما ولأكثر من شهر في كل المحاور عدا العمليات الخاصة التي يقوم بها الجيش وذلك حتى بدأت قوات الدعم السريع هجمات مكثفة في موجات شرسة ومتتابعة نحو سلاح المدرعات. ورغم فشل الهجوم لثلاث أيام وليال في تحقيق أي تقدم داخل المدرعات ورغم الموت البشع والكثيف الذي يشبه موت الفراش الحائر في نيران منتصف الليل فقد استمر الهجوم على المدرعات بعد هدنة أحدثتها مفاجأة خروج الفريق أول عبدالفتاح البرهان من القيادة العامة.
حتى نهار هذا اليوم مازالت معارك المدرعات مستمرة بسبب الفزع القادم لقوات الدعم السريع من خارج السودان وخصوصا ليبيا يقوده أبناء الماهرية أخص الحلقات الأسرية حول قائد الدعم السريع حميدتي. لقد أمتدت المساحة التي تنتشر فيها جثث جنود الدعم السريع بصورة تذكرك بأفلام ومسلسلات الزومبي الأمريكية. وتجعلك تتساءل عمن يقودهم لهذه المحرقة باصرار عجيب وبأي خطاب يستطيع اقناعهم بالدخول في هذا الاستنزاف المحقق؟.
في الحقيقة فان نجاح الدعم السريع (اذا حدث) في الاستيلاء على المدرعات فسيحدث تغييرا نوعيا في المعارك الدائرة في الخرطوم وسيصعب مهمة الجيش في تطهيرها وانهاء التمرد. ولكن الخسائر التي يتعرض لها التمرد يوميا والاستنزاف المستمر يقلل من أهمية أي نصر قد يستطيعون تحقيقه. مما يعزز فرضية الايادي الأجنبية التي تدير هذه الحرب وتسعى للتدمير الممنهج للدعم السريع والجيش السوداني معا دون أي اهتمام بنتائج الحرب أو إطالتها لأكبر زمن ممكن.
فيما عدا ذلك فإن المعركة في ولاية الخرطوم كما هي بكل مؤشراتها التي تؤكد فقدان الدعم السريع (حتى الآن) لزمام المبادرة واستعداده بين بيوت المواطنين في وضعية الدفاع التي يمكن أن تقوم بتعطيل الجيش قبل الاجتياح النهائي وتطهير الخرطوم.
أسامة عيدروس
8 سبتمبر 2023م