عالمية

“من جحيم الفقر إلى فيضانات درنة”.. أهالي مصريين مفقودين في ليبيا يترقبون أخبارهم

تجاوز عدد ضحايا الفيضانات في مدينة درنة الليبية أكثر من 5300 قتيل، وفقا لما أعلنه وزير الطيران المدني في حكومة شرق ليبيا، الأربعاء.
ويتوقع رئيس بلدية درنة أن تصل أعداد القتلى إلى ما بين 18 و20 ألفا في واحدة من أسوأ الكوارث التي تشهدها ليبيا.
ورصد مسؤولون لبيبون نحو 400 قتيلا أجنبيا بين الضحايا، أغلبهم سودانيون ومصريون. وقالت وزارة الهجرة المصرية، الأربعاء، إن القاهرة أعادت 87 جثة لمواطنين توفوا في ليبيا جراء العاصفة دانيال، وفقا لوكالة “رويترز”.
وفيما تتواصل عمليات البحث عن المفقودين في درنة، تعيش قرى مصرية على نار الانتظار المرير لخبر مفرح، أو أليم يكون خاتمة لجحيم الترقب. لكن ما من جواب مؤكد.
يقول محمد، من أهالي كفر ميت سراج في محافظة المنوفية، شمالي القاهرة: “أريد أن أعرف فقط، هل مات أخي أم ما زال حيا، لو مات أدفنه بيدي”.

آخر ما بلغه من أخبار عن أخيه أنه كان يحاول الاحتماء، مع عدد من رفاقه العاملين في البناء، من مياه الفيضانات، فتقطعت بهم السبل على سطح منزل في درنة.
قرى كفر ميت سراج وجريس وشما هي ضمن عدد غير معلوم من القرى المصرية التي خرج أبناؤها للعمل في ليبيا سعيا وراء الرزق.
حاول محمد التواصل مع السلطات المصرية لمعرفة مصير شقيقه وإن كان بالإمكان إنقاذه. المعلومات التي حصل عليها ترجح أن شقيقة، مثل مصريين آخرين في ليبيا، أنه أصبح في عداد المتوفين.
“قالولي بكل بساطة خلاص استعوض الله في أخوك.. مفيش أمل كبير.. ربنا يصبرك”.
يتحدث أحمد عن أبناء أخيه الثلاثة، لا يزيد عمر أكبرهم عن 8 أعوام. يقول إن شقيقه سافر منذ سنتين فقط من أجلهم لأن عمله مزارعا كان لا يكفي قوت يومهم خاصة مع الغلاء.
“أتوسل ليكوا ارحموا أبويا وأمي الكبار وحسوا بأوجاع الناس.. إحنا كل ساعة بتعدي من غير معلومة مؤكدة بنموت فيها ألف مرة.. وكل مكالمة بتسحب روحنا معاها”، يناشد محمد السلطات في مصر وليبيا لكشف الحقيقة بشأن شقيقه أو على الأقل تأكيد وفاته وإرسال جثمانه لدفنه.
وكانت حكومة شرق ليبيا قد توقعت، الأربعاء، أن يرتفع عدد القتلى إلى أكثر من 5300 في درنة بعد أن تعرضت لفيضانات كارثية.
وقال وزير الصحة في الحكومة الليبية المكلفة، عثمان عبد الجليل، الاثنين، إن “الأوضاع في درنة تزداد مأساوية ولا توجد إحصاءات نهائية لأعداد الضحايا.. كثير من الأحياء لم نتمكن من الوصول إليها وأتوقع ارتفاع عدد الوفيات إلى 10 آلاف”.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، الأربعاء، إن ما لا يقل عن 30 ألفا نزحوا من درنة.
“أرواح أولادنا رخيصة في بلدهم وخارج بلدهم”، بهذه العبارة بدأ رضا عبدالدايم سليمان حديثه لموقع “الحرة”.
ثلاثة من أبنائه في عداد المفقودين في درنة، وأصيبت أمهم بأزمة قلبية عندما سمعت الخبر.
ومن قرية جريس في محافظة المنوفيا أيضا، يتحدث رضا بصعوبة من داخل المستشفى حيث ترقد زوجته: “ثلاث أولاد طلعت بيهم من الدنيا، محمود وأحمد وعبدالكريم، وصمموا على السفر إلى ليبيا مع الشباب”.
يقول رضا إن السلطات في مصر أبلغتهم بشكل غير رسمي بارتفاع أعداد المتوفين من المصريين في ليبيا، وأن معظم الذين انقطعت أخبارهم يمكن احتسابهم في عداد المتوفين، لكنهم لم يعلنوا بشكل رسمي حتى يتم التأكد من البيانات والأعداد.
يعيش رضا وأفراد أسرته جميعا، كما يقول، في منزل خاو إلا من ملاءة مفروشة على الأرض الترابية ووسادات صغيرة وقليل من الأواني وموقد غاز. وذهب أولاده للعمل في ليبيا على أمل كسب بعض المال وتحسين معيشة العائلة.
“ظروف أولادي كانت سيئة جدا.. هما لو كانوا لاقيين شغل هنا مكانوش سافروا. بس محدش يقدر يمنع المكتوب”.
وصل معدل التضخم السنوي في مصر إلى 39.7 في المئة خلال أغسطس الماضي، وفق ما أظهرت الأرقام الرسمية، الأحد، وهو مستوى قياسي فيما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة.

وأفاد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بارتفاع سنوي بنسبة 71.9 بالمئة في أسعار المواد الغذائية، و15.2 بالمئة بالنسبة لأسعار النقل، و23.6 بالمئة لأسعار الملابس.
وتعيش مصر أزمة اقتصادية تفاقمت منذ العام الماضي، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وسط نقص في احتياطي العملة الصعبة، وارتفاع التضخم، وفقدان الجنيه لأكثر من نصف قيمته مقابل الدولار خلال عام واحد.
لم يخطر في بال ماريانا جرجس، التي تعيش في قرية شما، أنها ستفقد زوجها أبانوب بعد أقل من ثلاث سنوات على زواجهما.
تقول لموقع “الحرة” بصوت مبحوح: “مش متخيلة إحساسه في آخر لحظات حياته.. أكيد كان خايف وحزين؟”.
ترك لها زوجها طفلين. “كان حلمه يبني بيت ويشتري أرض يزرعها.. وأنا بعت كل دهبي وشبكتي ليتمكن من دفع تكاليف السفر وتحقيق حلمه.. بس خلاص راح الحلم مع صاحبه”.
وتقول ماريانا إن “أفرادا تابعين للحكومة المصرية تواصلوا معها للتأكد من بعض المعلومات التي تخص زوجها لكنهم لم يعطوها معلومة مؤكدة عنه”. وتضيف “مش متخيلة أنني لن أراه ثانية”.
لا يزال يحدوها الأمل بأن يكون زوجها حيا يرزق. حاولت ماريانا التواصل مع عدد من زملائه الذين كانوا يسكنون معه في ليبيا لكن دون جدوى. انقطعت الاتصالات معهم جميعا.
وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية، الأربعاء، أنها تتابع جهود الإنقاذ الخاصة بضحايا الإعصار في ليبيا وتم التعرف على هوية 84 شخصا من الضحايا امصريين وتم نقلهم جوا إلى أرض الوطن
وأفاد بيان الخارجية أن القنصلية المصرية في بنغازي تنسق مع السلطات الصحية والأمنية بمدينة درنة، والهلال الأحمر الليبي، بهدف حصر الأعداد الدقيقة للضحايا والمصابين المصريين، والعمل على إنقاذ الناجين وإيوائهم رغم الظروف الصعبة التي تحيط بعمليات الإنقاذ بسبب انهيار البنية التحتية.
ووفقا للبيان، شكلت القنصلية المصرية في بنغازي خلية أزمة فور وقوع الكارثة لمتابعة التداعيات بهدف تقديم الغوث العاجل للضحايا وأسرهم والدعم اللوجيستي.

الحرة