🔴 الهدف الأساسي من الحرب هو تقسيم السودان إلى ثلاثة دويلات
الصحفي محمد محمد خير في آخر تسجيل له تكلم عن لقاء جمعه بقيادي كبير في قحت، وذكر له القيادي القحتي أن هذه الحرب تديرها بالكامل دولة الأمارات والهدف الأساسي منها هو تقسيم السودان إلى ثلاثة دويلات: دولة في الشرق تضم أقاليم الشرق والوسط الشمال، دولة في جنوب كردفان، ودولة في دارفور. والهدف هو خدمة أجندة إسرائيل.
الكلام عن مخططات تقسيم السودان إلى دويلات ليس جديداً وهو شائع وتردد كثيراً، ومن المؤكد أنه ليس تقسيما يهدف إلى حل مشكلات الدولة السودانية ومن أجل سواد عيون الشعب السوداني، ولكنها مخططات عدوانية تخص الدول التي تضعها لخدمة مصالحها هي ولا علاقة لها برغبات بعض للحمقى من الإنفصاليين في أقاليم السودان المختلفة.
الجيش يتصدى لهذه الحرب إنطلاقا من موقعه كمؤسسة دولة مهمتها الحفاظ على وحدتها وتماسكها واستقرارها، وهو يقوم بهذه المهمة كجيش قومي بطبيعة الحال، لا كجيش يتبع لجهة معينة. وهذا هو مفتاح نجاحه في التصدي لمخططات تقسيم البلد وانتصاره في الحرب.
المليشيات كأجسام هشة بدون أي وعي سياسي ومشبوهة وعرضة للإختراقات الإستخبارية، ليس مستغرباً أن تعمل على توجيه الحرب في منحى جهوي عنصري؛ ذلك يتماشى مع أهداف تقسيم وتفكيك الدولة.
ولكن عندما تتصدى الدولة بواسطة الجيش لهذه الحرب، فهي لا تستطيع أن تجابه سلوك المليشيات وتجاريها بنفس الأساليب الجهوية والعنصرية. وذلك لعدة أسباب، أهمها أن انسياق الجيش في هذا الاتجاه يعني تفككه على أسس عنصرية ومن ثم انهياره كمؤسسة، ما يعني نجاح مخطط بشكل تلقائي. إن ما يجسد وحدة السودان كدولة اليوم بعد هذه الحرب هو مؤسسة الجيش نفسها أكثر من أي شيء آخر. وحدة السودان اليوم تتجسد في الجيش أولاً، وبدرجة أقل في بقية مؤسسات الدولة. والدولة لا تستطيع أن تخوض حرباً على أسس جهوية باسم إقليم أو جهة معينة، هذا مستحيل.
فإذا كانت المليشيات المتمردة التي حاربت الدولة طوال تاريخها تقوم على أسس جهوية وقبلية وتستمد وجودها وقوتها من التكوين الجهوي القبلي، فإن الدولة كانت على العكس تستمد قوتها من كونها النقيض للمليشيات، وأنها تمثل الكل وهذا هو مصدر قوتها، وأيضاً مصدر ضعف المليشيات القبلية. ففي النهاية لا يمكن أن تنتصر مليشيا قبلية على الدولة.
فكرة أن رباط العرق أقوى من رباط الأيديوجيا، وبالذات أيديوجيا الدولة هي فكرة كسولة وساذجة قائمة على ملاحظات إنتقائية تافهة لا قيمة لها في ميزان القوى المحركة للصراع وبالذات في الحرب الحالية وبالتالي ليست حاسمة أو حتى مؤثرة في تحديد نتيجة الحرب. فكرة رابطة العصبية العرقية بقدر ما تبدو لضيقي الأفق كرابطة قوية على المستوى الضيق، إلا أنها تعمل ضمن حدود ضيقة للغاية. في الفيزياء هناك تشبيه ذو دلالة في هذا السياق؛ عندما نقارن القوة النووية التي تربط عناصر الذرات ببعضها نجد أنها أقوى بكثير من الجاذبية، ولكن في المقابل فإن قوة الجاذبية تعمل على نطاقات واسعة في الكون على مستوى المجرات وهي التي تتحكم في النهاية. نفس الفكرة رابطة الدم قوية بلاشك، ولكنها تعمل ضمن حدود ضيقة؛ تعمل على مستوى القبائل ولكن ليس على مستوى الدول؛ يمكن أن تكسب بها حرب قبلية ولكن ليس حرب ضد دولة.
فبقدر ما أن الجيش هو عنصر تماسك الدولة، العكس أيضاً صحيح؛ الجيش قوي لأنه يجسد تنوع وتعدد المكونات المختلفة. وحينما يفقد هذه الخاصية يتحول إلى مليشيا جهوية عنصرية. فالجيش السوداني يستمد قوته من القومية السودانية بقدر ما يعزز هذه القومية كإنعكاس وكتجسيد لها في الوقت نفسه، في علاقة جدلية.
فإذا كانت الحرب الحالية تحمل أجندة عنصرية، فهذه الأجندة يجب أن تُقرأ في سياق أوسع، سياق المؤامرة على وحدة البلد. وعليه فإن التصدي للعنصرية لا يكون بعنصرية مضادة حمقاء تخدم في نفس الاتجاه التفكيكي، ولكن بالترياق المضاد للعنصرية الذي يعزل دعاتها سياسياً وعسكرياً واجتماعياً ومن ثم يسهل هزيمهم.
وفي النهاية السودان منتصر بإذن الله.
حليم عباس